تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السادس عشر من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد الفنان التشكيلي الفلسطيني سمير سلامة (1944 – 2018).
في نهاية المرحلة الابتدائية، كان سمير سلامة، الذي تحلّ اليوم الاثنين ذكرى ميلاده، يرسم بورتريهات لزملاء صفّه، ورسوماً بأسلوب كلاسيكي تمّ تقديمها في معرض أقامته المدرسة ونال عنها جائزة واستحسان مدرّسيه في إحدى مدارس مدينة درعا السورية، التي لجأت إليها عائلته عام 1948 إثر احتلال العصابات الصهيونية مدينة اللد؛ مسقط رأسه.
يستذكر الفنان التشكيلي الفلسطيني (1944 – 2018) تلك البدايات في مقابلة صحافية، موضحاً أنها لم تكن سوى خربشات، حتى التقى الفنان السوري أدهم إسماعيل (1922 – 1963) الذي عمل أستاذاً للتربية الفنية في مدرسته، وما أن شاهد رسومات الطبيعة الصامتة في دفتر الطالب حتى سأله عن سر محاكاته لسيزان، الذي لم يكن سلامة قد سمع باسمه قط.
أحضر إسماعيل كتاباً عن سيزان تعرّف تلميذه من خلاله على رموز المدرسة الانطباعية، كما تعلّم على يديه قواعد الرسم الأكاديمية وخلط الألوان، ووضعه على "السكة الصحيحة"، ودفعه إلى المشاركة في عدد من المعارض المحلية وهو لا يزال على مقاعد الدراسة.
التحق سلامة بكلية الفنون الجميلة في دمشق التي يقرّ بأن دخوله إليها كان من أجل تأمين لقمة العيش، وهناك سيلقى اهتماماً أكبر من أساتذة الكلية الذين يعدّون من أبرز رموز الحداثة في الفن التشكيلي، من أمثال محمود حماد وفاتح المدرس ونصير شورى وإلياس زياد وغيرهم.
بعد تخرّجه عام 1972 بدرجة امتياز، انتقل إلى باريس بغرض زيارة أحد أصدقائه، لكنه سيلتحق في ما بعد بمدرسة الفنون الجميلة الباريسية بتوصية من فاتح المدرس. وبعد حصوله على شهادتها، قرّر الإقامة في فرنسا شغوفاً بالمتاحف وصالات العرض التي أغنت ذائقته وممارسته الفنية، كما عمل في مجال التصميم والغرافيك في قسم المطبوعات العربية بمنظمة "يونيسكو"، ثم مدرساً في برنامج الرسم المفتوح في “جامعة جوسيو" الباريسية، كما ساهم في تشكيل مجموعة "فنانون من أجل فلسطين".
وتعاون أيضاً مع عز الدين قلق ممثل منظمة التحرير في فرنسا آنذاك، فأنتج بتشجيعه مجموعة من الملصقات السياسية، وساهم مع مجموعة من الكتّاب والفنانين، منهم الفرنسي كلود لازار والجزائري رشيد قريشي والسوريان خزيمة علواني وأشرف بقلة، في إقامة "المعرض التشكيلي العالمي من أجل فلسطين"، الذي نظّم في بيروت ثم نقل إلى طوكيو في اليابان، وعاد إلى بيروت قبل أن تتعرض اللوحات للتدمير بفعل قصف الطيران الحربي أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران/ يونيو 1982.
مزج سلامة بين الانطباعية والتجريد في أعماله التي هيمنت عليها الطبيعة بشكل أساسي، إذ يحضر فيها التصوير الواضح للأشكال والمنظور الخطّي واللون الجريء والتركيبات غير التقليدية اللافتة للنظر، والتي تُعطي تدرّجات كثيرة من الضوء والظل والطقس داخل المشهد.
شكّلت مدينة معلولا السورية إحدى أبرز المؤثرات في لوحاته التجريدية، التي ظهرت في التسعينيات، كما جرّب العديد من الوسائط والتقنيات في تجربته، مثل الخط العربي والكولاج والألوان، وفي مرحلة أخرى استخدم الشعر، كقصائد محمود درويش وسميح القاسم ومعين بسيسو ولوركا.
كان سلامة غزيز الإنتاج وصاحب أسلوب خاص في الرسم والتلوين، صاغه عبر تجربة ممتدّة ومنفتحة على تجارب متنوّعة في المشهد التشكيلي العالمي؛ حيث قدّم أكثر من مئة معرض فردي وجماعي، وتنوّعت أعماله التي وظّف في بعضها الحروفيات إلى جانب الرسم المائي والطباعة.