تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الأول من حزيران/ يونيو، ذكرى ميلاد الروائي المصري نجيب الكيلاني (1931 – 1995).
كتَب نجيب الكيلاني الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى مولده قصائده الأولى رداً على نكبة فلسطين، وسعى إلى تقديم نموذج عربي يحاكي تجربة الشاعر الهندي محمد إقبال، ثم توجّه إلى إعادة كتابة محطّات مهمة وسيَر شخصيات بارزة في التاريخ الإسلامي في عدد من الروايات، وأصدر بعدها مجموعة روايات وقصص قصيرة تتناول الواقع السياسي والاجتماعي المعاصر، إلى جانب كتاباته النقدية.
يُعتبَر الروائي المصري (1931 – 1995) أحد المؤسسين لما سمّي بالأدب الإسلامي، ما ينعكس في جملة من مؤلّفاته التي انشغلت بهموم الشعوب الإسلامية ومعاناتها تحت الاستعمار، أو الأنظمة الاستبدادية، وفي مقدّمتها كتابه "حول الدين والدولة" الذي أفرد فيه فصلاً لنقاش الفن الذي يرى أنه أصبح في عصرنا الحديث أقوى أدوات التأثير، وأشدّها خطراً، داعياً إلى الاهتمام به وتقديره بعدما أهملته الحركات والاتجاهات الإسلامية.
أكد على ضرورة الربط بين الدين والفن، للحفاظ على القيم الروحية ولمواجهة الظلم
يدافع الكيلاني في الكتاب عن الشعر العربي على مرّ العصور، رافضاً اعتباره أدب مدائح للملوك والسلاطين، وسجل مراثٍ وهجاء وفق خلفيات عنصرية وقبلية وشخصية، فالشعراء العرب كانوا بالنسبة إليه أحراراً بكل معنى الكلمة، عبّروا عن كل ما يجول في خواطرهم، مستشهداً بأبي نواس الذي يجمع بين الشاعر الزاهد والشاعر الزنديق في شخصه، وبلغت الحرية عنده أن تعرّض لبعض القيم الدينية، مما دعا علماء الدين لرميه بالكفر والزندقة، ولم يكن الاضطهاد قادراً على صرف الشعراء عن الإدلاء برأيهم في أحلك أيام الظلم.
وفق هذه النظرة، قرأ صاحب كتاب "أحمد شوقي في ركاب الخالدين" الحرية كشرط أساسي للإبداع والتعبير، وخلافاً لنظرائه من الملتزمين بحركات الإسلام السياسي، رأى أن الشعراء في التاريخ الإسلامي ضحّوا بحياتهم من أجل نقد ظلم حاكم أو فساده، مبرزاً دور أبي العلاء المعري في تعميق النقد وحرية الرأي وتطويع الفلسفة لبحور شعره وأغراضه، وتجديده في الكتابة، وهو يستحق مكانته بلا منازع بغض النظر عمّا يقال عنه.
ويقارن في عدد من كتبه بين الفن والدين، حيث يقول إن غاية الدين هي إسعاد البشر أما غاية الفن فهي الإفادة، مؤكداً على ضرورة الربط بين الدين والفن للحفاظ على القيم الروحية، ولمواجهة الظلم وفي مقدّمته عدوان الكيان الصهيوني على الأمّة، وكذلك آفات المجتمع من فقر وجهل ومرض وتمزّق اجتماعي وغيرها.
التزام الكيلاني بغايات الفن وفق التصوّر الإسلامي، لم تكن دوافعه نظرية فحسب إنما أثّرت فيه عوامل شخصية، وهو المولود في قرية شرشابة بمحافظة الغربية بمصر، والتي تحدّث عنها في مؤلّفات عدّة مستعرضاً استغلال الأثرياء من خارج القرية والذين يمتلكون معظم أراضيها للفلاحين، والحرمان والتخلف، والمرض الذي يفتك بأهلها ويحول دون تقدّمهم وتغيّر حياتهم نحو الأفضل.
كما أثّرت فيه دراسته للطب، حيث تخرّج من "جامعة القاهرة" عام 1960، وعمل طبيباً في قريته ثم انتقل للعمل في الأقسام الطبية في وزارة النقل والمواصلات وهيئة السكك الحديدية، قبل أن يسافر إلى الخليج عام 1968 ويعمل فيه لعقود، ثم يعود إلى مصر بعد إصابته بالسرطان عام 1992 ويرحل فيها بعد نحو ثلاث سنوات.