رمضان في الشعر العثماني: شهرٌ تفتَّحت فيه وردة الإسلام
حظي شهر رمضان بمكانة مهمة في الأدب العثماني، وخصوصاً في الشعر، الذي لا يختلف النُّقاد الأتراك على تقسيمه إلى تيّارين؛ الأول، هو "شعر الديوان" الذي استلهم بحور العَروض العربية وتأثّر بالأدبين العربي والفارسي بشكل عام. والثاني، هو "الشعر القديم"، أو "الشعر الشعبي" للشعراء الشعبيين/ العُشَّاق الذين يطوفون بآلة "الساز" مترنّمين بالحكايات الملحمية، مثل ملحمة "داده كوركوت" و"سيد بطال غازي"، وسعوا إلى استخدام اللغة التركية البسيطة، وحافظوا على الأوزان الفلكورية القديمة.
ونلاحظ اهتمام الشعراء بشهر رمضان، سواء في شعر الديوان أو الشعر الشعبي. ورغم أن أدب الديوان، الذي تطوَّر داخل دائرة الحضارة الإسلامية وجذب الطبقات العليا، قد تعامل في الغالب مع الموضوعات الفردية، إلّا أنه لم يعزل نفسه تماماً عن المجتمع، وبالأخصّ في موضوع شهر رمضان. حيث نجد العديد من الأشعار التي تناولت شهر الصيام في الشعر العثماني، وذلك بدءاً من القرن الثالث عشر مع قصيدة للشاعر والمتصوِّف التركي الشهير يونس أمرة.
إلّا أن رمضان كان يأتي في أشعار تلك الفترة ضمن موضوعات متنوعة داخل القصيدة. ومع بدايات القرن الخامس عشر، صار الشعراء يخصِّصون له قصائدَ مستقلة، ضمن ما سيُعرف بشعر "الرمضانيِّات". وقد تنوَّعت موضوعاته بين رؤية الهلال وفضائل الصيام والتصوُّف والإفطار والسَّحُور وليلة القدر وغيرها من الموضوعات الرمضانية.
بعض الشعراء كتبوا الرمضانيِّات أيضاً داخل أشعار الغزل
اللافت للانتباه أن بعض الشعراء كتبوا الرمضانيِّات أيضاً داخل أشعار الغزل، بحسب ما ذكر البروفيسور التركي أتاباي كيليتش في بحثٍ له بعنوان "عن رمضان في شعرنا الكلاسيكي". ومِن بين أبرز هؤلاء، بحسب كيليتش، كلٌّ من الشعراء فضولي، وذاتي، وبغدادلي روحي، وتاجي زاده جعفر شلبي، وكان ذلك ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر.
انتشرت الأشعار الرمضانية داخل المثنويات أيضاً منذ القرن الخامس عشر، حيث كتب دولت أوغلو يوسف في "كتاب البيان" قصيدة من 200 بيتٍ عن رمضان. وفي القرن السابع عشر، كتب الشاعر نابي، على طريقة المثنوي، كتاباً بعنوان "خيرية" وخصَّص فيه باباً لرمضان. ومن بعده، كتب سليمان نحيفي "فضائل الصوم" في 250 بيتاً حول صيام السُّنَّة وصيام الفرض، وغيرهما من الموضوعات الرمضانية.
حظيت عدة رمضانيِّات بشهرة واسعة في الأدب العثماني، مثل الرمضانيِّة التي كتبها الشاعر العثماني الشهير نديم، في القرن السابع عشر، واشتُهرت بسبب روح الدعابة التي كُتبت بها حول مدى تحمُّل الناس للصيام. ووفقاً لكثير من باحثي الأدب العثماني، فإن شعر الرمضانيِّات قد ازدهر بشكل كبير في القرن الثامن عشر، وخصوصاً مع الشاعر العثماني ثابت، وهو أوّل مَن ارتقى بشعر الرمضانيِّات وأكسبه روحاً جديدة، والشاعر إندرونلو فاضل، الذي كتب رمضانيةً من 90 بيتاً، وكوجا راغب باشا، الذي كتب قصيدة مطوّلة أيضاً بعنوان "الإفطار".
وبالإضافة إلى انتشار شعر الرمضانيات في "شعر الديوان"، نلاحظ وجوده أيضاً في الشعر الشعبي. وبحسب كثير من الباحثين في الشعر الشعبي التركي، فإن شعراء التصوّف بدأوا في كتابة الشعر الإلهي منذ القرن الثالث عشر، ثم ظهرت الأشعار حول رمضان بعد ذلك، ولكن في تاريخ غير معروف على وجه التحديد.
انقسم الشعر الرمضاني الشعبي بين شعراء التصوّف إلى قسمين؛ الأول في استقبال شهر الصيام، وكان يتناول فضل هذا الشهر على بقية الشهور، وآداب الصيام وسلوك الصائمين، ومن أبرز مَن كتبوا في هذا السياق الشاعر بورصلي إسماعيل حقّي ومحمد فوزي أفندي. أمّا الثاني، فهو شعر الوداع، وكان يُكتب منذ أول النصف الثاني من الشهر، حول الحسرة على ذهاب رمضان والولع بانتظاره في العام القادم، وقد برع الشاعر نيازي المصري في هذا النوع.
تنوّعت الموضوعات بين رؤية الهلال وفضائل الصيام وليلة القدر
ومن بين الأشعار الشعبية أيضاً، أشعار الرباعيات التي يردّدها المسحّراتي، إذ لم تقتصر وظيفة المسحّراتي في العهد العثماني على إيقاظ النائمين لتناول السحور من خلال دقِّ الطبول فقط، بل كان يردّد أيضاً رباعيات من الشعر الشعبي الذي يجمع بين الحكاية والموعظة والفكاهة. وقد جمع البروفيسور عامل شلبي أوغلو، المختصّ في الفنون الشعبية، الأشعار المتعلّقة برمضان في كتاب شهير باسم "رمضان نامه". ومن بين المقاطع التي أوردها في كتابه: "هذه الليلة الأولى من الشهر/ تفتَّحت وردة الإسلام/ أتى رمضان المبارك/ فَسُرَّت الرُّوح واللسان".
كما أن هناك شعراء عاشوا في أواخر الدولة العثمانية وفترة حرب الاستقلال وبداية الجمهورية، تناولوا رمضان في قصائدهم أيضاً، وأبرزهم محمد عاكف آرصوي، الشاعر التركي الشهير، صاحب نشيد الاستقلال التركي.
جديرٌ بالذكر أن بعض سلاطين بني عثمان قد كتبوا شعر الرمضانيِّات أيضاً، وأشهر رمضانيِّة في هذا السياق هي التي كتبها السلطان أحمد الأول باسم "بَخْتِي"، وهو اسمٌ مستعارٌ له، أو "مَخْلَص"، كما يُطلق عليه في الأدب العثماني.