الشمعة هي الزمن ذائبًا؛ هي الصورة والشيخوخة. إشارة إلى زمن الإغماء: زمن متوقّف؛ والزمن الذي يتوقّف يفعل موقفه؛ وللزمن المتوقّف موقفٌ زمنيّ: موقف الإغماء؛ موقفٌ في برزخ؛ موقفٌ كالفاصلة بين ينبوع النور والعين.
◾ ◾ ◾
الحبُّ قويُّ الجهات وما زلتُ لا أعرف العلاقات. العلاقة بين الفرش والعرش. العلاقة بين أن تختار وبين أن ترى الكون دائرةً واحدة. لكنّ الشمعة تضيء الورق؛ والورق الأبيض زمنٌ وبياض. زمنٌ بعيد. صغير. زمنٌ كنقطةٍ في الأبيض. كشمعة يحتاج إلى ضوئها الورقُ الأبيض.
◾ ◾ ◾
الزمن شمعةٌ تتأمّل في الحاضر لحظتها الذائبة؛ وليس للشمعة ماضٍ، ومستقبلُها زهرةٌ تكاد أن تذبل.
◾ ◾ ◾
من أين يبتدئ زمن الشمعة. من الخيط، من الزيت، من اللهب ما قبل الإيقاد. يغيب الزمن على الورق الأبيض ويظهر. يكبر الزمن ويصغر. يُخفي سرَّ شجرته. يُخفي أسرارَ الضوء. يُخفي أثر اليد التي تخطّه على هذه الصفحة. يد الكاتب. يد الله.
◾ ◾ ◾
لليد التي ترسم هذه الكلمات يدٌ غائبة. يدٌ وراء الكلمات. فظِلُّها وقوُّتها وهشاشتُها تبقى وراء الكلمات. وراء ستائرها. وراء جُدرانها. وراء نقاطها وسقوفها. يدٌ تسير كالمسافر، كالرحّالة، كالقافلة. يدٌ سائرةٌ في صمت الطرق، في مجهول الطرق. قد تجد ألماسةً؛ قد تجد بلّورًا، أو وحشًا يظهر كامرأةٍ شعرُها كثيفٌ ويداها خنجران.
◾ ◾ ◾
إلى بحيرةٍ تتجمّد في كلمتها الجامدة تأتي فتاةٌ شعرُها المأساة ووجهُها خشخاشٌ وقمر؛ وتجلس وتغنّي عن ماضٍ في إغماء؛ عن أرضِ جنّةٍ فارغة؛ عن نونٍ غرق فيها البحرُ. فتاةٌ في صوتِها مناراتٌ وزخارفُ مسجدٍ وليلٌ يتجمّد في بحيرة.
◾ ◾ ◾
تغيب الشمعة؛ يغيب الزمن ويسقط في قوس نونِه، في نقطةٍ داخل نقطته. تغيب النجمة التي اهتدى بها المسافر وهو يسير على هذه الطرق السطور. تغيب الشجرة التي أوراقُها الخضراء لآلئُ وبلّور. تغيب الشمعة. يغيب الظلُّ من هذه الطرق. تغيب الطرق.
◾ ◾ ◾
كلُّ وقعٍ واقعةٌ. في كلِّ قدمٍ وداعٌ؛ وعندما تتعرّف إلى شيء فأنت تودِّعه في العتبة. للشيء عتبةٌ تلتقي به عليها وتودِّعه.
الوداع أصلٌ. الوداع ثابتٌ؛ هو الزمن المتجمّد، المتحجّر. الوداع يبقى؛ واللقاءات هي التي تذهب؛ وفي مذهبها يكون المرء قد أودَع سِرًّا؛ سُرَّةً؛ أو أثرَ مصافحة.
* شاعر من الأهواز