عندما أُلقي القبضُ على الشاعر الشاب في مدرّج مباراة ودّية، لناديين من الدرجة الثالثة، كان معه سيجارة حشيش، لم يكن يخبّئها خلفَ ظهره كما يفعل كلُّ الذين يريدون أن يخبّؤوا شيئاً، كان يلوح بحركاتً تنبّه كلّ من حولِه على جُرمه.
بعد القبض عليه، لم يُصدر إشارة أو إيماءة تدلُّ على خوف أو تردّد.
وحتى عندما ضغطوا على رأسه، وأزاحوه نحو الأسفل بينما كانوا يشدُّون يديه خلف ظهره، لم يقاوِم بحركةٍ، حتى أنّه لم يشتم أحداً.
يُقال إنها كانت أسهل عملية إلقاء قبض في تاريخ الشرطة.
ورَد في أوراقه التحقيقية، أنّ اسمه بسمان سامان، 22 عاماً، أعزب وأعزل، يعيش وحيداً ومتنقّلاً بين عدّة شُققٍ حقيرة، لا يملك أثاثاً أو كراكيب، يتنقّل مثل مُعلّم يوغا من حيٍّ إلى آخر.
عندما تسأله عن مهنته يُبادر بالقول إنه شاعر. رغم أنه لا يملك كتابا باسمه، أو قصيدة واحدة منشورة في صحيفة أو مجلّة، وحتى لم يترك وراءه بيتاً من الشعر على فيسبوك.
لا يكترث بمَن كان يلعب بقدر ما كانت تهمّه طراوة العشب هناك
عندما حاججهُ ضابطُ التحقيق بذلك، قال بعدما حكّ رقبته بأظافره، إنه شاعر بمعنى أنه يعيش الحياة اليومية على أنه شاعر، وليس شاعراً بمعنى أن يكتب ما يندلقُ عليه من إلهام.
فردّ عليه الضابط بسؤال آخر عن مؤهّلاته التي جعلته شاعراً حسب وصفه.
ليرد عليه "إنما يؤهّلني لأن أكون شاعراً، بينما تبقون أنتم من عوام الناس، هو أنني تخطّيت حاجز الحبّ والجنس والموت، حتى صرتُ حرّاً، وعندما تصير حرّاً - وأفترض طبعاً أنك غير قادر على تخيُّل ذلك ـ ساعتها يمكنُكَ أن تنظر لكلّ تلك القيود من أعلى".
ضابط التحقيق شعَر بصُداع مفاجئٍ سببُه إجابات الرجل الذي يقول عن نفسه ما يقول، ثم عاد إلى المسألة، وسأله عن سبب أن يكون هناك في المدرّج لمباراة من الدرجة الثالثة.
فرَدّ بأنه لا يجد فرقاً بين المتع وقيمة الدرجات والمراتب، ولا يهمّه مَن كان يلعب بقدر ما كانت تهمّه طراوة العشب هناك. لقد كان يراقب شعيرات العشب الندية، ويتمايل معها حينما تستجيب لِلَسعات النسيم، وفسّر استخدامه للحشيش على أنه حبٌّ للعشب! هو يتذوّق العشب ساعتها، علماً أن لفيف الحشيش كان من عشبة الماريغوانا، وهذا ما جعله أكثر حساسية للعشب نفسه، فتماهى معه حتى صار يتمايل معه كما لو أنّهُ عشبة طرية، جذورها ثابتةٌ في الأرض وطرفُها يتراقص مع الهواء. ثم اختتم حديثه بأنه لم يعد شاعراً، بل صار عشبةً الآن.
فنهض من كرسيّه وعاد بخطوتين إلى الوراء، ثم أطبق ساقيه على بعضهما بقوة، وزمّ شفتيه وأغمض عينيه، ثم راح يتمايل مع كل يدٍ تمسُّه، سواء كانت يد الضابط أو أفراد شرطته، طالبين منه أن يعود لرشده، وحتى عندما أراد أحدهم أن يحرّكه من مكانه كأن يقتلعه بيديه، لم يتزحزح، استجاب وسط جسمه الأعلى فقط، وانحنى مع اتجاه الضغط مثلما تنحني عشبة.
مثلما لو أن لاعباً أراد أن يقتلع عشبةً، بعد إضاعة ركلة جزاء في مباراة نهائية لفريقين من الدرجة الثالثة.
* كاتب من العراق