على باب مدينة النهار

29 مايو 2024
"نحن" لـ بثينة العلي (2006)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- النص يكشف عن تناقضات الوجود والبحث عن الجمال والأمل في ظلمات العالم، مستخدمًا صورًا شعرية تجسد الخراب وإمكانية التجدد منه.
- يتناول الشاعر مفاهيم الحلم والذاكرة، مستحضرًا صورة المدينة -البصرة على الأرجح- كمكان يحمل طبقات من الزمن والتاريخ، معبرًا عن الحنين والأسطورة.
- يستعير النص صورة "شحرور الغسق" للتعبير عن الوحدة والتأمل، مقدمًا الطبيعة كملاذ ومصدر للتفكير في الوجود والعلاقات الإنسانية، مشيرًا إلى البحث عن معنى الحياة والسعادة.

-1-


وهكذا
- سيداتي آنساتي سادتي-
يظهر واضحاً للعيان
الجذر المتعفّن
لشجرة هذا العالم
وينكشف غطاء الهاوية
عن الثغر السحيق
بطنِ الخلق
الذي ينبض ولا يقول
تعالوا يا مَن لا تخافون التحديق
إلى القعر الذي لا قرار له
تعالوا وانظروا...
لأنّ منه تنفجر أغصان شجرة النهار الجديد
تتعالى كبركان وُلِد للتوّ
وتتعملَق كمعجزة 
لم تكونوا لتصدّقوا أخبارها.


-2-


حلوٌ المنام
الذي رسمتِ خريطتَه على جبينك
وعويصٌ اسم المدينة الحوشيّة
التي تَصِفينها ولا تسمّينها
وتقولين إنّ ألوان أبوابها
كألوان الشيء حين لا يُسمّى
جدران زيتيّة
أحسّها كما لو كانت مَبنيةً من لحمي
هل أخمّن أنّها البصرة
يوم كان بحرها منتهى العالم؟
أول الشّعر الذي اكتسب زرقته من غسق المياه
تقولين إنّها موئل الهدير في بيضة تكوينه 
وأسطورة الأقوام التي ارتحلت ثم حلّت وتنفّست الصعداء
ضوءٌ على ضوءٍ، أقول
توقٌ من الحوانيت الليلية التي تُغلق معاً
لأجل الصلاة أمام مستودع المياه الجبارة 
ومن عيون البنات الناسجات من حمرة المغيب
قماشاً دموياً يلفّعن به الحبيب المشتهى
تقولين إنّها بيت الرقاد 
حين يشبه النومُ مملكة سانحة
وبيت اليقظة
حين يشبه القيام عيداً يتكرّر كلّ يوم.
هل أخمّن أنّها البصرة
حين كانت الشمس تنام تحت المياه
وكان العالم خرافة تُكتب أوائلها؟


-3-


شحرور الغسق
الصوتُ الواحد في غيهب الغابة
الأغنية البطيئة
التي كلّما تكرّرت صارت أجمل
أصغِ أيّها الإنسان
إلى لحن العُزلة
إلى إغلاقة الباب وبقائك وحيداً في البهو الساطع
إلى الصدى الذي يدعوك للتفرّس في المدينة البعيدة
في الوجه الواحد الذي في كلّ الوجوه
وإلى المتنوّع بلا كثرة
ها هي الأغنية تتردّد كل صيف
وما أحلى النغم المُعاد!
نَغَمٌ لعشاءات كثيرة في مدينة واحدة
ألا يكون الكل إذن على مأدبة واحدة؟
شحرور الغسق معي في جميع المدن
يرسل صوته المدوّر نحو بقية الشمس
كرةً في إثر كرة
تحمل فيض العالم
مياه تتقاطر كصوت الندى في بساتين الفردوس
لهذا ربّما يتبعني كظلّي الحزنُ المهذب
لأنني أكاد أفهم...
ولا أفهم
حزني لا يشاغب
لا يرفع صوته
بل ينزوي ويطلب ما يريد:
أن أدلّه على باب مدينة النهار-
حيث لا يموت الرفاق
أن أضع يدي بيده-
لنكتشف معاً 
سرّ فاكهة المرح.


* شاعر وكاتب سوري مقيم في السويد

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون