في نهاية الخمسينيات، أقامت فاطمة العرارجي معرضها الأول الذي تضمّن لوحات نفّذتها في مدينة الأقصر ضمن بعثة دراسية آنذاك، كانت الحقول المطّلة على نهر النيل مشهداً أساسياً فيها، لتقدّم بعد ذلك يوميات المصريين والطبقة العاملة والصيّادين في مدن مصر الساحلية تحديداً.
نزعت التشكيلية المصرية (1931 - 2022) إلى الواقعية كما بقية مجايليها في فترة طفت خلالها المضامين الاجتماعية والسياسية، حيث صوّرت مشاهد الدمار الذي لحق ببورسعيد خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وكذلك الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت عام 1987، لتنتهي إلى أعمال تتناول موضوعات الأمومة والإنسان والكون وحركة الزمن.
"الإنسان والكون" عنوان المعرض الاستعادي للعرارجي، الذي يُفتتح عند السادسة من مساء الأحد المقبل في "غاليري المسار" بالقاهرة ويتواصل حتى الثاني عشر من الشهر المقبل، ويضمّ مختارات تمثّل تجربتها الممتدّة على نحو سبعة عقود.
تُعيد الفنانة الراحلة إنتاج المشهد الطبيعي في أشكال بسيطة يتمّ التلاعب في أبعادها من أجل إبراز العمق في اللوحة بمستويات عدّة، مع اهتمام بالغ بالعنصر اللونيّ الذي تعيد من خلاله إنتاج الواقع من حولها في صيَغ وتكوينات جديدة، في ابتعاد عن المنظور الفوتوغرافي التقليدي الذي هيمن على بداياتها الانطباعية.
ذهبت العرارجي في لوحاتها ــ التي تنتمي إلى ما أسمتها مجموعة "الإنسان والمكان والزمن" ــ إلى معالجة لونية تتميز بالجرأة والقوة في التعبير وتفترب أحياناً من مناخات اللوحة السوريالية، كما سعت إلى إيجاد حلول غير تقليدية للتكوين واللون والعلاقة بين عناصر العمل.
سواء في مراحلها الأولى أو المتأخّرة، تحضر المرأة في معظم اللوحات، حيث ترصد أدوارها وحالاتها النفسية والشعورية المختلفة، ومنها لوحة "الشهيد" التي تصوّر نسوة يجتمعن حاملاتٍ جسدَ رجل شهيد، أو في تسجيلها الحياة اليومية للمرأة في الريف المصري داخل المنزل أو في الحقول أو في الأعراس، وأعمال أخرى أضاءت تفاعل المرأة مع أطفالها.
يُذكر أن فاطمة العرارجي حازت درجة البكالوريوس من "كلية الفنون الجميلة" في القاهرة عام 1955، والدبلوم من "أكاديمية الفنون الجميلة" في روما سنة 1973. شاركت في العدد من المعارض الفردية والجماعية في ألمانيا وإيطاليا وروسيا والبرازيل ومصر.