لماذا يُنسى؟

02 اغسطس 2024
الطيب صالح (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد وفاة الكاتب، غالبًا ما يُنسى أدبه باستثناء بعض الأعمال البارزة مثل "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، ويشمل هذا النسيان أدباء مثل حنّا مينه ونجيب محفوظ.
- يتناقص عدد النقاد المهتمين بالنقد التطبيقي، مما يساهم في تراجع الاهتمام بالأدب، والقراء غالبًا ما يكونون مسلوبو الإرادة وخاضعين لإملاءات وسائل التواصل ومراكز تقرير الجوائز.
- الصحافة الورقية تعاني من تراجع كبير في تأثيرها الثقافي، والكاتب لا يمكن تحميله المسؤولية الكاملة عن غياب الأثر الفكري لأعماله، حيث تهمش الثقافة العربية كتّابها المحليين.

ما إن يرحل الكاتب عن عالمنا، حتى يلحق به النسيان. لا بشخصه وحسب، بل بأدبه كلّه؛ فلا يُذكر هذا الأدب في ما بعد، إلّا في لوائح التأريخ، وقوائم الكتب المطبوعة في الماضي، وإحصائيات الروايات أو القصص أو المجموعات الشعرية. هكذا يختفي أدب حنّا مينه وهاني الراهب وخيري الذهبي وممدوح عدوان وغيرهم من الكتّاب السوريين، ويختفي أدب يوسف إدريس وجمال الغيطاني وإدوار الخرّاط وخيري شلبي ونجيب محفوظ نفسه، وبهاء طاهر وغيرهم من الكتّاب المصريّين، ولولا أنّ رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" قد شغلت الفكر العربي والثقافة العربية طوال العقود الماضية، منذ أن صدرت في أوائل الستّينيات من القرن العشرين، بسبب معركتها مع الثقافة الغربية المستبدّة، لكان هناك احتمال أن تكون قد نُسيت ونُسي كاتبها، وهو شبه منسي في الحقيقة، إذ لا يعرف القرّاء رواية أُخرى من رواياته، أو لا يحتفون بأدبه ومؤلّفاته الأُخرى كما يحتفون بـ"موسم الهجرة إلى الشمال"، فالطيّب صالح هو هذه الرواية فقط.

ويمكن القياس على ذلك في مجمل الأدب العربي الحديث، لماذا؟ من المسؤول عن ذلك؟ هل هُم النقّاد؟ يتناقص عدد النقّاد المهتمّين بالنقد التطبيقي يوماً بعد آخر في حياتنا الثقافية، والحاضر من بينهم، ليس له أثر يُذكر، أو كلمة مسموعة، أي يمكن القبول برأيها ومعرفتها النقدية والذوقية في الحياة العامّة، أو حتى في الحلقة الضيّقة من الحياة الثقافية، وثمّة عدد كبير من بين المهتمّين بالنقد مشغولون بهموم العيش التي باتت تطالب الجميع بالتفرّغ لليومي، والمستعجل، في الكتابة التي يمكن أن تؤمّن القليل من الضمانات النقدية.

هل هُم القرّاء؟ ومعظم القرّاء مسلوبو الإرادة، وخاضعون لإملاءات وسائل التواصل، ومراكز تقرير الجوائز، وعاجزون عن الاختيار الحرّ النابع من أذواقهم الشخصية، ومن مطالبهم المعرفية والجمالية. فهل هي الصحافة؟ ففي بلد مثل سورية لم تعُد لدينا صحافة ورقية البتّة، وكان تأثيرها الثقافي محدوداً دائماً، وانتقلت الصحف الثلاث الأبدية إلى المواقع الإلكترونية، وأعتقد أنّ حال الصحافة العربية الورقية في البلاد العربية الأُخرى، باستثناء دول الخليج العربي، لا يختلف كثيراً عن حال الوضع السوري. وفي كل الأحوال، فإنّ الصحافة مرتهنة للسلطة نفسها، بحيث لا تستطيع إلّا أن تكون صدى لمشيئتها وموافقاتها الأمنية.

يتناقص النقّاد المهتمّون بالنقد التطبيقي يوماً بعد آخر في حياتنا الثقافية

أمّا الجهة الرابعة التي يُمكن أن نُلقي عليها المسؤولية فهي الكاتب نفسه، هل هو المسؤول عن غياب الأثر الفكري والأدبي لإنتاجه؟ لا يمكن أن نجيب بنعم، فبعض الكتّاب كانوا يشغلون الوسط الثقافي بحضور مؤلّفاتهم: حنّا مينه مثلاً، إذ كانت مؤلّفاته تُطبع بكثرة، وتُعاد طباعة العديد من رواياته، كما كان اسمه موجوداً في معظم الاختيارات الأدبية... وكان ليوسف إدريس حضور فاعل في القصّة والصحافة، وسار الغيطاني على خطاه في الرواية، والصحافة الثقافية، والمهرجانات، عندما كان حيّاً يعيش بيننا.

هل هي مسؤوليتنا جميعا؟ إذ بينما لا يزال فلوبير وستندال وبلزاك وتولستوي ومارك توين وغيرهم أحياء حتى اليوم في الثقافة والفكر الوطني لبلادهم ولغاتهم، وفي الفكر العالمي، تبرع ثقافتنا العربية في التقليد، من جهة، إذ تحتفي بالكتّاب في العالم، بقدر براعتها في وأد كتّابها وتدمير إنتاجهم.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون