- تتضمن الرواية شخصيات وقصص فريدة مثل مروان الذي ينجو من محاولة انتحار ليجد نفسه ضمن مشروع النوم الغامض، ومعاذ درويش بحياته المليئة بالظلام والجريمة، إلى جانب شخصيات غرائبية مثل القط السيّد الرمادي والكلب شمشون.
- تستكشف الرواية مواضيع مثل الهوية، الأخلاق، والعلاقات الإنسانية من خلال تداخل القصص والشخصيات، مقدمةً تأملًا في الطبيعة البشرية بنسيج روائي غني بالدراما والتشويق.
"مشروع النوم" عنوان مثير لرواية التونسي شهاب عبد الله، الصادرة عن "دار نوفل" (2023). الرواية، شأنها شأن عنوانها، بناءٌ غرائبي. يصحّ أن نُسمّي "بناءً" الروايةَ التي هي بكاملها عمارة متراكبة في داخلها، حادثاً فوق حادث، وحادثاً ضمن حادث، ورواية في رواية أُخرى، بحيث لا تني تتداخل وتتحوّل وتتوطّد، جزءاً على جزء، ولبنة فوق لبنة. "مشروع النوم"، لذلك، ذات مدى ملحمي، إنّها مسار يتطوّر ويحبل بالحوادث، ويستطيل ويتعقّد ويتراكب على طول النص.
تبدأ الرواية في ألمانيا؛ حيث نعثر على عائلة مروان التونسي، المتزوّج من الألمانية كلارا. البداية عجولة، مروان وكلارا ومعهما أُمّ كلارا التي لا تحترم تونسية مروان، ووسام الصديق الذي لا نلبث أن نقع على تلميح لصلته الغرامية مع زوجة صديقه. ثمّ نعرف أن كلارا ووسام، ومعهما الابنة لونا، قضوا جميعاً في حادث سيارة.
نحن هكذا في رواية أُولى سرعان ما تنتهي بالموت. إنّها رواية قصيرة نفهم أنّها مجرّد تقديم للرواية الحقيقية، التي لن تكون في المكان نفسه (ألمانيا)، ولا الزمان نفسه.
حكايتان متقابلتان تبدو الثانية انفجاراً وتشظّياً للأُولى
بعد ذلك، يحاول مروان الانتحار غرقاً في البحر ويجد من ينقذه. يتردّد على نفساني؛ حيث يجري كلام عن الطوفان، وألوان الطوفان، الأمر الذي يستدعي عودة إلى ولادة مروان يوم فيضان غمر البلدة. هذا ما يطبع حياته بالماء والبحر. نحن هكذا لا نزال في ألمانيا، وقصّة الماء هذه والطوفان جزء من تقديم لن يطول. سيعود مروان مع صديقه وقطّه الرمادي إلى تونس، إلى حيث تنتظرنا القصّة الحقيقية الأُولى.
ينتظرنا الآن نمطٌ آخر من القصّ، هو الآن مع قطّ متكلّم، "السيّد الرمادي" كما يُسمّي نفسه، هو القط الذي يزامل مروان. إنّه قط مثقّف كما يقول عن نفسه، فهو يُدلي بأجوبة جازمة فصيحة ذات منطق خاصّ يخالف، كما يدّعي، منطق البشر، فللقطط كما يقول عقل ونفس مختلفان عمّا لدى الناس.
غير القطّ المتكلّم هناك أيضاً مشروع النوم الذي بدأ مع والدة مروان. يتّصل المشروع بدون إيضاح كافٍ بالتعرّي في الشارع. أمّا المشروع الذي لا يزيد إيضاحاً فهو قريب من التنويم المغناطيسي. إنّه يهب النوم لأناس يشكون من السهاد، لذا يجتذب أشخاصاً على درجة من الأهمّية. نحن الآن في صلب قصّة أُخرى، رواية تجمع مروان وصديقه إلياس وقطّه ومشروع النوم.
لن نبقى هنا، ثمّة رواية أُخرى تنتظر هي هذه المرّة مع حيوان آخر، الكلب شمشون الذي ذاع اسمه وصيته بحيث بات أسطورة. من شمشون سننتقل إلى معاذ درويش، الذي هو مقابل مروان، بطلٌ ثانٍ لرواية ثانية. لمعاذ حكايته المنفصلة عن تلك التي لمروان، وإن كانت القصّتان تتداخلان في هوامش، لا تجعل منهما قصّة واحدة. تختلطان في تفاصيل، من هنا وهناك، وتصبّان في وقت ما، في مجارٍ مشتركة، لكنّهما تبقيان متمايزتين بل متقابلتين.
رواية مروان، ورواية معاذ درويش متماثلتان. إذا كان لمروان حيوانه "السيّد الرمادي"، فلمعاذ أيضاً حيوانه، حرباء له اسم بورا، وحرباء معاذ، شأنه شأن قطّ مروان، متكلّم. نحن في الحكايتين على غرار واحد. لا يسمّي بورا نفسه مثقّفاً، لكنّه شأن "السيّد الرمادي" حرباء مثقّف، وليس متكلّماً فحسب.
لمعاذ قصّته منذ وُلد واتّخذ له اسم أخٍ راحل، وربّته أمّ قوّدت لتُعيله. هو القاتل المتهتّك لا يلبث أن يصبح أستاذاً جامعياً، لكنّه مع حربائه ينصّ قائمة من عشر نساء، يقوم باغتصابهن واحدةً بعد واحدة. لنا الآن تلك القائمة في الرواية، التي تقابل مشروع النوم في الحكاية الأُولى. هنا أيضاً الحرباء الذي يقابل القطّ، لكن قصّة معاذ أكثر تراكباً وأغنى مفاجأة.
نحن هنا أمام درامية وتلاوين أغنى. شرّ معاذ لا يقابله شرّ من ناحية مروان، ثم إنّ حياة معاذ الموحلة، التي تبدأ بقوادة أُمّه غير حياة مروان. موت معاذ قتلاً لا يقابله، من الناحية الأُخرى، مأساة مماثلة.
إذا كانت حكاية معاذ تقابل حكاية مروان، فالثانية إيغال وعتمات ووعورة إضافية، مع ذلك يبدو أنّ بين الحكايتين استطراداً، ونوعاً من المحاكاة. حكاية معاذ هي الصفحة المظلمة لحكاية مروان. الثانية تبدو انفجاراً وتشظّياً للحكاية الأُولى. إذا كانت الأُولى "مشروعَ النوم"، فالثانية هي اليقظة المرعبة.
* شاعر وروائي من لبنان