إذا كان فِعْلُ قَصّ الحكايا، على أسماع الناس أو حتى من خلال تدوينها، ظاهرةً كونية أو شبه كونية، تشترك فيها جلّ الثقافات التي نعرفها، فإن شخصية الحكّاء، أو الحكواتي، لم تحصل على استقلاليةٍ وتتحوّل إلى رمز ثقافي إلّا في قليل من الحضارات، ومن بينها الحضارة العربية، التي يمكن كتابة تاريخ كامل للحكواتيين فيها، لما مثّلوه من دور خلال مسارها.
بعد غياب أو شبه اندثار طيلة عقود لهذه الممارسة الشفاهية، تُلحَظ عودتها إلى المشهد الثقافي في السنوات القليلة الماضية، ضمن رغبة في عقد حلقة وصل مع تقليد مترسّخ في الثقافة العربية، واستنطاق ممكناته وما يمكن أن يقوله في الراهن العربي.
ضمن هذا السياق تأتي النسخة الرابعة من "مهرجان لبنان المسرحيّ للحكواتي"، التي تنعقد في مدينة طرابلس، شمال البلاد، بين يومي السبت والثلاثاء المقبلين (12 ـ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري)، بتنظيم من "جمعية تيرو للفنون" و"مسرح إسطنبولي".
يسعى المهرجان، بحسب بيان منظّميه، إلى "إعادة إحياء فنّ الحكاية الشعبيّة والتراث الشعبيّ"، بهدف "الحفاظ على الموروث الشفويّ وعلى التّراث والهُوِيّة وفنّ الحكواتي والعمل على نقله للأجيال"، كما يهدف إلى أن يكون مساحة لـ"تبادل تجارب وممارسات تراثيّة مختلفة"، كما نقرأ في البيان نفسه.
يشارك في نسخة هذا العام حكّاؤون من سبعة بلدان عربية، إضافة إلى حكّائين من لبنان؛ وهُم: إدرير فارس وماحي صديق من الجزائر، وهشام درويش ورائدة القرمازي من تونس، ورباب الشّيخ وزهراء مبارك ونسرين النّور وفاطمة الزّاكي من البحرين، وسليم السّوسي وديانا السّويطي ومريم معمّر من فلسطين، وحفيظة أربيعة من المغرب، وأحمد يوسف ونيروز الطّنبولي من مصر، ووجيه قيسيّة من سورية، ونزيه قمر الدّين ونتالي سرحان صبّاغ وماري مطر وفراس حميّة ورجاء بشارة ورنا غدّار من لبنان.
كما تُقام ضمن المهرجان جلسات وقراءات جماعية وفردية للحكايا في "المسرح الوطني" بساحة التلّ في طرابلس، و"حكاية متنقّلة" التي تُروى خلال جولة في أحياء وأسواق المدينة القديمة بطرابلس (الإثنين)، وجلسة حكايا للأطفال (الأحد)، إضافة إلى ندوة، تُقام الأحد أيضاً، حول "دور الإعلام الافتراضي الرقمي في تثمين التراث الشفويّ"، ويديرها هشام درويش.