يبدو "توستالا" اسماً نافراً وغريباً بالنسبة إلى عنوان كتاب عربي. الكلمة التي تتصدر غلاف المجموعة القصصية الأخيرة (دار سنابل، القاهرة) للكاتب والمترجم العراقي عبد الهادي سعدون. تعود، كما يقول في لقاء مع "العربي الجديد"، إلى أحد الحكواتية لدى الهنود الحمر:
"قدّمت للمجموعة، أيضاً، بنصٍّ عن إحدى حكايات الهنود الحمر، يشير الحكواتي فيه إلى أن القصص مترابطة مع بعضها، ولا تنتهي حكايةٌ حتى تبدأ أخرى. هذا هو مغزى وهدف الحكايات أو القصص العشر التي يتضمنها الكتاب".
هكذا، تقوم قصص "توستالا" على تقنية الحكاية داخل الحكاية، حيث تتفرّع القصص وتتداخل، وكأن الحكي هو الملاذ الوحيد، أو المنتهى الذي يرغب فيه رواتها.
"توستالا" هي المجموعة القصصية الثالثة لسعدون (1968)، بعد "اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر" (1996) و"انتحالات عائلة" (2003)، وهي الكتاب العاشر في مجمل مسيرته الشعرية والنقدية والسردية. الكاتب والمترجم المقيم منذ عشرين عاماً في مدريد، مهموم بالتواصل بين الأدب العربي وذاك المكتوب بالإسبانية، عبر ترجمته لعشرات العناوين بين اللغتين.
يقول حول علاقة هذين الأدبين إن "ثقل أدب أميركا اللاتينية وإسبانيا علينا ككتاب عرب، وعلى نتاج العالم الأدبي ككل، لا يمكن تجاهله. إنه تأثير يمتد منذ سرفانتس حتى روايات ماركيز ويوسا وبولانيو. إنها الطفرة التي أحدثت تخلخلاً وبناءً جديداً في الآداب العالمية عموماً. مع ذلك، لا بدّ من ذكر شيء آخر هنا، وهو أننا بقينا في عالمنا العربي حبيسيْ هذا النتاج بأسمائه الكبيرة، ولم يصلنا النتاج المرافق لها، أو الذي تلاها. بالنسبة إليّ، كنت وما أزال من أشد المتأثرين ببورخيس في كل نتاجاته، وأعتقد أن الآداب المكتوبة بالإسبانية لم تعوّض حتى اليوم بكاتبٍ أصيلٍ ومتفرد مثله، أو يتجاوزه ويضيف إليه".
يؤكّد سعدون أهمية الترجمة التي ما زالت، في رأيه، تحافظ على مكانتها منذ قرونٍ؛ أهمية يحتل المترجم الدور الأكبر فيها: "أعتقد أن المترجم الجيد هو ذلك المتواطئ في عملية الترجمة بشكل كامل، عبر تدخله في النصوص التي ينقلها من لغته الأم أو إليها. يشترط هذا التواطؤ، إضافة إلى عملية النقل بين اللغتين، تدخلاً مباشراً في صيغة هذا النقل وطرقه. بهذا المعنى، يكون المترجم شريكاً في عملية إعادة الكتابة للنص المترجم، ما يجعلني، كمترجم، مشاركاً دقيقاً في التغيير والمقابلة بين النصّ في اللغتين، وفي عملية إيجاد بدائل للمعضلات التي تواجهني مع ترجمة كل نص".
ويضيف: "من هنا، أنا لست مع الترجمة الحرفية، ولا أعتقد أن مترجماً واعياً يقبل بها. أنا مع النص المترجم الحيّ، الذي نبحث له عن صيغٍ وحلول بديلةٍ وكيان يضمه في حلّةٍ جديدةٍ عليه هي اللغة المنقول إليها. المترجم مسؤول عن إيجاد بدائل للنص المترجم، ولا أقول إن عليه إنشاء نصٍّ آخر بعيدٍ عن النص الأصلي. الترجمة الحقيقية الوافية، بالنسبة إليّ، هي التي تستفيد من كل الإمكانيات المتاحة، كي لا تخلّ بروحية النص وخصوصيته في لغته الأصلية".
وحول مكانة الأدب العربي بين الآداب العالمية، يقول سعدون، من موقعه كفاعل ثقافي وأدبي بين لغتين وثقافتين، إن "الأدب العربي اليوم ليس ببعيدٍ إبداعياً عن نتاجات عالمية كثيرة، لا سيما الآداب الإسبانية. هذا ما ألمسه من قراءاتٍ ومقارناتٍ عديدة ما بين المنتج العربي والإسباني. آدابنا ليست أقل شأناً أدبياً، لكننا حتى اليوم ندور في دائرة مغلقة تبعدنا عن الأضواء في العالم. تجاوز هذه المشكلة يتطلب جهوداً تسويقية ودعائية. الأدب الحقيقي يبقى على الدوام، ولكن حتى الآداب الرصينة والحقيقية تحتاج إلى دعاية وتمويل".