تكرّست معارض الكتب في البلاد العربية خلال السنوات الأخيرة، وصار واحدها كرنفالاً يتسع لكل الممكنات. لنأخذ معرض أبوظبي للكتاب مثلاً؛ يتّسع لبطاقات إعلانية لشركات استأجرت أجنحة في المعرض، ولعروض حيّة ودروس طبخ تطغى رائحتُها على رائحة الورق.
يمكن القول إن معارض الكتب أصبحت بديلاً للمكتبات، وقد صار في بديل المكتبة هذا مطبخاً وساحة لعب ومرسماً للأطفال وسهرة علاقات عامة لرجال أعمال ومساحات إعلانية لمؤسسات وحتى للدوائر الحكومية، وهذه الأخيرة تحظى بالمساحات الأوسع.
في المقابل، فإن المكتبة في البلاد العربية ليست الوجهة الأولى لمن أراد اقتناء الكتب. الجميع يزعم أنّه ينتظر المعرض لهذه الغاية، حتى وإن استلزمه ذلك شهوراً طويلة.
يُقال طالما استطعنا شراء الكتب في المعارض، فلا داعي للذهاب إلى المكتبات. الحقيقة إن هذا المنطق مقلوب، فالمكتبة هي المكان الأساسي لشراء الكتب، والمكتبات في العالم، لا تخلو من زوّارها، الذين ينتقون كتبهم من دون أي تشويش من رائحة طبخ أو من رجل يقف بين الكتب ماداً يده ببطاقة إعلانية.
الحقيقة إن لا ثقافة مكتبات لدينا، وإن المكتبات في بلادنا تكافح لتبقي أبوابها مشرعة، ومن أساليب كفاحها أن تبيع أقلام الرصاص والدفاتر.
تكرّس معارض الكتاب في بلادنا إدماج سوق الكتب بأسواق أخرى، لتسهيل تسويقها لدى مجتمعاتنا. وعلى خط مواز، تتقلص المكتبة في المدن العربية وتكاد تتحوّل إلى مكاتب خدمات طباعة وإنترنت وبيع لوحات تعليميّة وخرائط تُعلّق في الصفوف الابتدائية، وتبيع، فيما تبيع، كتباً.
المحصّلة تكمن في أنّ الكتاب العربي في تراجع، القراءة في تراجع، وحدها معارض الكتب تتقدّم من دون الكتب، الكتب الحاضرة في المعارض كضيف ثقيل لا بدّ منه.