يعتبر التريكي ممن أضافوا إلى عمق الأغنية التونسية وغيّروا في تلحينها، بعد أن تأثر بشكل كبير بطريقة سيد درويش (1892-1923) في التلحين، الذي كان يعتبره قدوة للمؤلف الموسيقي الذي أخذ طريقاً مغايراً في الموسيقى الشرقية وابتعد عن رتابة مجايليه وكسر القالب المألوف، حيث التقى التريكي في عام 1919 بالشيخ أحمد فاروز المصري الذي علمه أسرار كل الأدوار التي ألفها درويش.
كما تأثر بالملحن والمغني التونسي أحمد الوافي (1850-1921) الذي يقول عنه "إنه صاحب كل الموشحات التي نعرفها، عدا القلة القليلة منها".
كان التريكي ينام معلقاً الكمان فوق صدره وهو مراهق، ثم كبر لتنام آلته بقربه ولا يتحرك من دونها، وتوطد تعلقه بها منذ أن تعلم العزف عليها في المدرسة العلوية التي كان مقرها تونس العاصمة، على يد أساتذة فرنسيين في سن مبكرة.
لكن علاقته بالموسيقى التراثية سبقت الكمان بسنوات، حيث كان والده من أقطاب شيوخ العيساوية، فحفظ وهو في الابتدائي المالوف والأدوار والأغاني الصوفية. وقد رفض والده تعلمه للكمان، وفي وثائقي معه يتذكر التريكي ضاحكاً كيف حطم والده 17 كمان على رأسه، وأمره بالالتزام بالمدائح النبوية والإنشاد الصوفي، فكانت والدته تبتاع له كل مرة كماناً آخر، شفقة على ولدها المتعلق بهذه الآلة.
كان التريكي يذهب إلى المدرسة العلوية لتعلم الطريقة "الفرنجية" بتعبيره، في العزف، ويرسله والده إلى دراسة الغناء الشرقي في "مجموعة الزاوية لعبد العزيز الجميل" مع موسيقيين من جيله هم سي مصطفى شوشة ومحمد العقبي وحمادي بدرة ومريدخ سلامة أول عازف قانون في تونس.
في بداية حياته، حاول الشاب أن ينسى أمر الموسيقى وأن يعمل كموظف حكومي في إدارة المال، لكن الحنين بعد ستة أعوام في الوظيفة الروتينية التي لم تتمكن من امتصاص روح الفنان داخله، جعله يهجر العمل المكتبي وينضم إلى المدرسة "الراشيدية" للموسيقى (أصبح رئيسها لاحقاً) وجمعية "الكوكب التمثيلي" حيث كانت مهمته تلحين الأوبريتات الحكائية وأغاني القصص المسرحية والتراثية الشعبية، وظل حاله هكذا إلى أن انتقل إلى الجزائر عام 1949 بهدف العمل على تأسيس مسرح غنائي.
عاد التريكي إلى تونس بعد سنوات، وظل يغني تجربته بأسفار متقطعة إلى البلاد العربية والأوروبية يتعلم كل جديد، ويرجع إلى تونس ليبدأ مشوار تلحين طويل واكتشاف مواهب غنائية وتقديم أغنيات للمكتبة الموسيقية العربية ما زالت إلى اليوم أغان يعيد المطربون إحيائها بتوزيعات مختلفة. من أشهر أغانية "المغيارة" لنعمة و"ما ابنّك" لعلية، و"زهرة الليمون" لسنية مبارك، وهناك أيضاً أغنيات قدمها عدة مطربين من بينها "عيون سود مكحولين"، "يا لايمي ع الزين"، "لا أنت بالوصل تهنيني" وغيرها.
وبالعودة إلى الاحتفالية الاستعادية المقبلة، فيتضمن برنامجها قراءات في أعمال التريكي وشهادات حول مسيرته الفنية يقدمها موسيقيون وباحثون، ويحضرها بعض أفراد عائلة الفنان وأصدقائه، من بين هؤلاء المطربة نعمة والشاعر نورالدين صمود (الذي يقدم فيديو عن الراحل) إلى جانب كل من الفنانة سنية مبارك ونائلة التريكي حفيدة الفنان. وتختتم التظاهرة بعرض موسيقي تحييه فرقة "جمعية ذكريات للطرب الأصيل".