"نحس" أوروبا المستمر

30 سبتمبر 2015
شركات السيارات الألمانية مهددة بسبب فضيحة فولكسفاغن (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


ما إن تخرج أوروبا من حفرة حتى تقع في "دحديرة" أو حفرة أعمق، وما إن يودع الاقتصاد الأوروبي مشكلة حتى يجد أزمة أعنف في انتظاره، وفي الوقت الذي لم تفق فيه منطقة اليورو بعد من تداعيات أزمة ديون اليونان، وعجزها عن سداد التزامات خارجية مستحقة للدائنين الدوليين، وجدت نفسها أمام أزمة أعمق وأشد هي فضيحة فولكسفاغن، عملاق صناعة السيارات حول العالم التي هزت الأسواق والحكومات الأوروبية.

قد ينظر البعض للفضيحة الأخيرة على أنها مجرد مشكلة تتعلق بسمعة شركة ارتكبت أخطاء، ومارست عملية خداع على عملائها الأثرياء مشتري سيارتها الفارهة، لكن الفضيحة أعمق من ذلك، حيث يمكن أن تعصف بأقوى الاقتصادات الأوروبية وهو الاقتصاد الألماني، كما ستزيد متاعب الاقتصاد الأوروبي الذي لم يودع بعد التداعيات الخطيرة التي عصفت به، عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في شهر أغسطس/آب 2008 ثم لحقتها أزمة اليونان 2015.

ليست هذه مبالغة مني، فالكلام الصادر عن كبار المسؤولين الأوروبيين يدفع تجاه هذا الاحتمال، وهنا استشهد بما قاله نائب وزير المالية الألماني ينز شبان أمس الأول الإثنين، من أن "الفضيحة الخاصة بتلاعب شركة صناعة السيارات الالمانية فولكسفاغن في اختبارات الانبعاثات يمكن أن تضر بأكبر اقتصاد في أوروبا، وقد يكون للفضيحة تأثير كبير على اقتصاد ألمانيا، وينبغي لهذا الأمر أن يثير قلقنا بعض الشيء".

واستشهد أيضا بما قاله كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك آي إن جي كارستن برزيسكي، حينما قال "فجأة أصبحت فولكسفاغن عاملا خطرا لتراجع الاقتصاد الألماني أكبر من أزمة الديون اليونانية".

تأثير فضيحة فولكسفاغن لن يكون قاصراً فقط على خسارة سهم الشركة أكثر من 30% من قيمته، عقب اعتراف الشركة بوضع برمجيات في محركات الديزل، تهدف لإخفاء مستوى

انبعاثات الغازات السامة، ولن يقتصر على تعويضات قد تصل إلى قيمتها إلي 20 مليار يورو، يجب على الشركة دفعها في الولايات المتحدة، حيث تم الكشف عن مخالفاتها وتزويرها، إضافة لخسائرها مليارات الدولارات الأخرى، نتيجة تعويض العملاء المتضررين، وسحب ملايين السيارات المزودة ببرامج التزوير من الأسواق.

اقرأ أيضاً: موظفون في "فولكسفاغن" حذروا قبل سنوات من فضيحة الانبعاثات

فضيحة فولكسفاغن أكبر من ذلك بكثير، حيث ضربت قطاع الأعمال في ألمانيا، عقب الكشف عنها قبل أيام، بل إن محللين أوروبيين حذروا من أن الأزمة قد تتطور لتصبح أكبر تهديد لأكبر اقتصاد في أوروبا.

وبالطبع فإن الفضيحة قد تضرب صناعة السيارات المهمة لاقتصاد ألمانيا في مقتل، وقد تلحق أضراراً جسيمة بشركات ألمانية كبرى، مثل دايملر أو مرسيدس بنز وبي إم دبليو وأودي ومايباخ وبورش وسمارت وأوبل وغيرها، وستؤثر سلباً على الصادرات الألمانية التي يعتمد عليها الاقتصاد الألماني، خصوصاً أن السيارات تشكل 20% من إجمالي هذه الصادرات، مع الإشارة هنا إلى أن السيارات هي أكثر الصادرات الألمانية نجاحا.

ولن تقتصر فضيحة فولكسفاغن على الخسائر المباشرة للشركة، بل ستتجاوزها لخسائر أخطر؛ وهي الإساءة لسمعة الصناعة الألمانية وهز ثقة الأسواق بها، وبالتالي التأثير سلباً على أهم قطاعين يعتمد عليهما الاقتصاد الألماني؛ وهما الصناعة والصادرات، إضافة لإلحاق الفضيحة أضرار صحية وبيئية من الصعب تقدير حجمها حاليا كما يقول البعض.

وإذا أضفنا إلى فضيحة فولكسفاغن فضائح أخرى ارتكبتها كبريات البنوك والمؤسسات المالية الأوروبية، مثل يو بي إس ودويتشه بنك وإتش.إس.بي.سي وباركليز وكريدي سويس، آخرها ما تم الكشف عنه أمس الأول من التلاعب في سوق المعادن النفيسة، وخرق القوانين الخاصة بالشركات في سويسرا، وقبلها التلاعب في أسواق الصرف والعملات وأسعار الفائدة قبيل اندلاع الأزمة المالية العالمية، لوجدنا أن أزمة فولكس ستعيد للأذهان فضائح المؤسسات الأوروبية الكبرى، وأنها ليست بالشفافية والقوة التي نتصورها.


اقرأ أيضاً: "فولكسفاغن" تنوي استدعاء 11 مليون سيارة لإصلاحها

المساهمون