يتعمق مأزق الديون المصرية مع أزمة تعثر العديد من البنوك الأميركية والأوروبية، إذ يتسبب قلق المستثمرين من تعرّض الأسواق الناشئة لانعكاسات سلبية، في ارتفاع العائد على أدوات الديون الحكومية، ومنها مصر التي تشهد صعوبات في تدبير النقد الأجنبي للوفاء بالتزامات استيراد السلع الأساسية وسداد أقساط الديون.
وألقت أزمة انهيار بنوك "سيليكون فالي" و"سيغنتشر" الأميركيين و"كريدي سويس" السويسري، وتراجع أسهم البنوك الأوروبية خلال الأيام الماضية، بمزيد من الظلال القاتمة على اقتصاد مصر، الذي يواجه فترة عصيبة.
وأنهت البورصة تعاملات الأسبوع الماضي، على انخفاض أتى على المكاسب التي حققتها منذ بداية العام، لتعود إلى مستويات معدلات الأزمة الكبرى التي شهدتها في مارس/آذار 2020، مع صدمة انتشار وباء كورونا، متأثرة بتراجع أسهم البنوك، على رأسها البنك التجاري الدولي، الذي يحظى بوزن مرتفع في المؤشر الرئيسي للسوق "EGX30".
ودفعت المخاوف إلى رفع الطلب على الدولار، إثر فزع المستثمرين من حدوث تداعيات على البنوك المحلية، ورغبة الأجانب في الخروج من الأسواق الناشئة التي تخيم عليها حالة عدم اليقين، والاتجاه بأموالهم إلى ملاذات آمنة، والاستغناء عن الاستثمار في أصول المخاطر.
وزاد سعر الدولار رسمياً إلى نحو 30.95 جنيهاً، وارتفع في العقود الآجلة من 37 إلى 38 جنيهاً، ما دفع محللين إلى توقع المزيد من التدهور في قيمة الجنيه، وسط ترجيحات برفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة كبيرة في اجتماع لجنة السياسات النقدية المقرر في 30 مارس/ آذار الجاري، مستهدفاً كبح جماح التضخم المتصاعد، والحد من الطلب على الدولار، وجذب المستثمرين للسوق المحلية.
وأدى انهيار أسهم البنوك الأوروبية الأكثر تعاملاً في قروض الحكومة المصرية، على رأسها "بي إن بي باريبا" و"سوسيتيه جنرال" و"دويتشه بنك" التي انخفضت بين 7% و9%، خلال نهاية الأسبوع، إلى حالة من القلق في أوساط المستثمرين في أدوات الدين.
لكن شريف سامي، رئيس هيئة الرقابة المالية السابق، يصف الأجواء الحالية بأنها "لحظات تحوط تفترض الأسوأ حتى يحدث العكس"، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن أزمة انهيار البنوك الأميركية والأوروبية الثلاث، لا تعكس وجود مشكلة متوقعة على البنوك المصرية.
وأشار سامي إلى أن القوانين الحاكمة تضع قيوداً كبيرة على إدارات البنوك، تجعلها تحت رقابة دائمة من البنك المركزي المصري، بما يضمن حقوق المودعين، وتوجيه الأموال إلى الأنشطة المختلفة، وعدم الدفع بالمدخرات في اتجاه واحد، كما فعل بنك سيليكون فالي المتخصص في دعم الشركات الناشئة والتكنولوجيا الفائقة.
يشترط البنك المركزي احتفاظ البنوك ما بين 18% إلى 20% من السيولة النقدية من إجمالي الودائع، لمواجهة الطلبات الفورية للمودعين، ويضع نسباً محددة لتمويل كل نشاط، وفقاً لنوعية الخدمات التي يقدمها كل بنك، ولا يجوز التصرف بها دون موافقة من البنك المركزي.
وقال سامي إن "ما يحدث من تراجعات في البورصة المصرية، وقع جزء كبير منه لأسباب نفسية، دفعت المستثمرين للتحوط بالخروج من الأسواق الناشئة، أو التوجه بمدخراتهم لمنافذ استثمارية بديلة كالذهب، وبعضها يؤهل نفسه بتوفير سيولة للاستفادة من ارتفاع سعر الفائدة على الدولار، بعد حسم البنك الفيدرالي الأميركي، نواياه بزيادة معدلات الفائدة خلال الفترة المقبلة".
وأكد أن حالة القلق في الأسواق ستظل مستمرة لفترة طالما توافرت عناصر عدم اليقين، التي تواجه عادة بتحفز المستثمرين، والتمهل عند اتخاذ القرار، حتى تتضح الرؤية، ومن بينها معرفة سعر الصرف للعملة المرتبط بالظروف العالمية.
لكن محللين يرون أن خروج مستثمرين أجانب من الاستثمار في أدوات الدين أو سوق الأسهم من شأنه أن يضيف مزيداً من الضغوط على العملة المصرية، وقدرة البلد على توفير النقد الأجنبي، وبالتالي على تصنيف سنداتها الدولية. في المقابل يقلل جمال بيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، من الأزمة الآتية من الغرب قائلاً: "أحياناً يكون صغر الحجم ميزة عندما تحدث المصائب الاقتصادية الكبرى".
وأوضح بيومي أن "البنوك والاقتصاد المصري يمثلان واحداً على 16 ألف بالنسبة للاقتصاد العالمي، بينما تبلغ قيمة الاقتصاد في 22 دولة عربية 5% فقط".
وأشار إلى أنه رغم انفتاح البنوك العربية على النظم الدولية، في ظل عولمة اقتصادية، فإن حجم هذه الاقتصاديات والقوانين الحاكمة لها تضعها في عزلة عن التغييرات المفاجئة التي قد تعصف بها مثلما حدث في بنكي "سيليكون فالي" و"سيغنتشر" الأميركيين المخالفين للضوابط الرقابية، أو عدم المحاسبة، كما فعل بنك "كريدي سويس" ثاني أقوى بنك في سويسرا.
ويعتقد بيومي أن خسائر المصريين من البنك السويسري في حالة انهياره تماماً، ستظل متوقفة عند العائلات التي هرّبت أموالها في الخارج، وأظهرت التحقيقات احتفاظهم بمدخرات، ومنها عائلة الرئيس السابق حسني مبارك، وبعض رموز حكمه، أو المؤسسات العربية التي تشارك في حصص الملكية.
لكن بيومي قال إن أزمة البنوك الدولية، سترفع معدلات التضخم خلال المرحلة المقبلة، لتسببها في تضخم مستورد لأسباب معدية، مع ارتفاع الفائدة على الدولار، كما أن الرغبة في جذب استثمارات أجنبية ستصطدم بظروف غير مواتية قد تدفع الحكومة إلى رفع العائد على شراء السندات الحكومية المتراجعة قيمتها بالأسواق العالمية، بالإضافة إلى ما يحققه التراجع المستمر في قيمة الجنيه، من ضغوط على زيادة التضخم المحلي.