تبدو الولايات المتحدة الأميركية عازمة على المضي قدماً في خططها لمواجهة تمدد النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا، إذ تبدأ وزيرة الخزانة جانيت يلين، غدا الثلاثاء، زيارة تشمل ثلاث دول في القارة السمراء، تتمتع بأهمية في استراتيجية الرئيس جو بايدن، لتجديد العلاقات المفقودة في القارة.
تستغرق الجولة التي تشمل السنغال وزامبيا وجنوب أفريقيا 11 يوماً، وتأتي بعد شهر من استضافة الرئيس الأميركي أكثر من 40 شخصية من القادة الأفارقة في واشنطن، والتي أُعلن خلالها عن تقديم التزامات وصفقات جديدة بقيمة 15 مليار دولار.
فواتير استيراد باهظة
وتتخوف واشنطن من تقلص حضورها مع اتساع نطاق الصعوبات المالية والاقتصادية التي تشهدها معظم الدول الأفريقية، في أعقاب موجات التضخم العالمية، بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، واستمرار واشنطن في رفع أسعار الفائدة التي أججت من سطوة الدولار، وأثقلت الكثير من الدول بفواتير استيراد باهظة وتزايد أعباء الديون.
ودفعت هذه الأوضاع الصعبة، العديد من بلدان القارة السمراء إلى اللجوء إلى الصين وروسيا، ما زاد من مخاوف الولايات المتحدة من ابتعادها أكثر عن المشهد، واستفراد بكين وموسكو بأفريقيا.
قالت راضية خان، رئيسة الأبحاث في قسم أفريقيا والشرق الأوسط لدى بنك "ستاندرد تشارترد" البريطاني، في لندن، لوكالة بلومبيرغ الأميركية: "تريد الولايات المتحدة البناء على التقدم الذي تحقق. فهي تسعى للتأكيد على أنّ هناك نموذجاً مختلفاً للتطور بعيداً عن الاعتماد على الصين".
تشمل جولة يلين زيارة السنغال وجنوب أفريقيا وزامبيا، والأخيرة تُعتبر مجالاً لاختبار الديمقراطية في الجنوب الأفريقي، ونموذجاً لآفاق تخفيف عبء الديون بين البلدان المثقلة بها في جميع أنحاء العالم. سوف تُدلي يلين، يوم الجمعة المقبل، في السنغال بما تعتبره وزارة الخزانة الأميركية "تصريحات مهمة بشأن العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأفريقيا".
ومن المقرر أن تلتقي في السنغال، الرئيس ماكي سال، إذ من المتوقع أن يسجل اقتصاد البلاد أسرع معدل نمو في أفريقيا خلال العام الجاري 2023، وهي تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأفريقي.
وفي زامبيا، ستلتقي يلين رئيس البلاد المنتخب هاكيندي هيشيليما، الذي كان في السابق زعيم المعارضة وجرى سجنه، وطبق إصلاحات ديمقراطية واقتصادية بعد توليه السلطة. وخلال فترة ولاية إدغار لونغو، سلف هيشيليما، هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على مسؤولين من الحزب الحاكم في زامبيا حينذاك حال محاولة التلاعب بنتائج انتخابات 2021.
كانت شركات صينية قد فازت بما قيمته مليارات الدولارات في عطاءات حكومية، وكلها ممولة بالديون، والتي أدت في النهاية إلى إفلاس الدولة. وقالت ميشيل غافين، سفيرة الولايات المتحدة السابقة في بوتسوانا وزميلة بارزة في مجلس العلاقات الخارجية: "إن زامبيا هي أفضل تجربة ديمقراطية لدينا الآن في القارة. إنها أفضل فرصة لإثبات أن تطبيق الديمقراطية وسيادة القانون يحقق نتائج ملموسة للمواطنين".
زامبيا تتخلف عن سداد ديونها
تخلفت زامبيا عن سداد ديونها في عام 2020، وتقدمت منذ ذلك الحين بطلب لإعادة هيكلة حوالي 12.8 مليار دولار بموجب الإطار المشترك الجديد لمجموعة العشرين. ويسعى هذا البرنامج إلى توحيد موقف الدائنين التجاريين والسياديين، وتمهيد الطريق لمساعدة البلدان الأكثر مديونية.
وتمتلك الصين حوالي ثلث ديون زامبيا الخارجية، لكنها تباطأت في عملية تخفيف الديون، تاركة زامبيا ومشروع الإطار المشترك برمته في حالة غموض أو عدم يقين. وأدى ذلك إلى منع الحكومات الأخرى المتعثرة من طلب المساعدة من البرنامج، وتوجيه انتقادات شديدة للصين من جانب المسؤولين الغربيين، بمن فيهم يلين.
وقالت خان من "ستاندرد تشارترد" إن "زامبيا هي حالة اختبار رئيسية. إذا كان من الممكن الاستفادة بشيء ما في حالة زامبيا من شأنه تسريع عملية تخفيف الديون، فقد يشجع ذلك البلدان الأخرى على التحرك مبكراً قبل الوصول إلى نقطة التخلف عن السداد". وأصبحت غانا أحدث دولة تتخلف عن السداد عندما علّقت مستحقات فوائد الدين في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وتعد جنوب أفريقيا المحطة الأخيرة في جولة يلين، إذ تحظى باهتمام أميركي بالغ أيضاً، كونها تولت مؤخراً رئاسة نادي دول "البريكس"، وقد تسعى إلى قبول أعضاء جدد في التجمع السياسي والاقتصادي للأسواق الناشئة الرئيسية.
ويمكن أن يؤدي توسيع النادي، الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إلى زيادة دوره كونه قوة موازنة للهيمنة العالمية للاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة.
استخدام طاقة أنظف
ووفق "بلومبيرغ" فإنّه من المتوقع أن تدفع وزيرة الخزانة الأميركية، حكومة الرئيس سيريل رامافوزا، لمواصلة الانتقال إلى استخدام طاقة أنظف، والابتعاد عن الاعتماد المكثف على الفحم.
وحصلت جنوب أفريقيا على وعد بالحصول على 8.5 مليارات دولار من الدول الغنية بهدف المساعدة، لكن معظم هذا المبلغ سيكون في شكل قروض وليس منحاً، فيما تواجه البلاد أزمة طاقة تهدد بكبح نمو الاقتصاد. وفي حين أن الولايات المتحدة من بين الدول التي تدعم تقديم المساعدات المالية، فقد تطلب السلطات من الولايات المتحدة دعماً مالياً إضافياً.
وتبدو الدوافع الاقتصادية حاضرة بقوة في العودة الأميركية إلى أفريقيا. إذ أشارت دراسة لشركة الاستشارات العالمية "ماكنزي" أخيراً إلى قلق الولايات المتحدة من تمدد الاستثمارات الصينية نحو الموارد النفطية والمعدنية التي تملكها بعض الدول الأفريقية.
كما تنبّهت الإدارة الأميركية لأمن المعادن لذلك، وتحديداً منذ تهديد الصين بحظر تصدير المعادن النادرة إليها في عام 2018، عقب تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وفرض إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب رسوماً جمركية واسعة على الصادرات الصينية لبلاده، والتي لا تزال معظمها مستمرة حتى الآن، رغم الاتفاق على تهدئة الحرب التجارية في نهاية حقبة ترامب.