لم تجلس الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي، بل عبرت عن قلقها من زيارة وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، دمشق ولقائه رئيس النظام بشار الأسد.
ولم تكتف واشنطن، صاحبة "قانون قيصر" الذي يحرّم ويجرّم التعامل مع النظام السوري، بالقلق، بل أعرب جمهوريون في مجلس شيوخها عن استيائهم، ليلتقي الجميع، من جمهوريين وديمقراطيين وحكوميين، حول الدعوة للنظر بالعنف المستمر ضد السوريين.
ولئلا يظن متربص أن واشنطن أوحت بكسر العقوبات ودعمت مشروع نقل الغاز العربي عبر سورية بأول خرق لقانون قيصر، بعد أن غضت الطرف لسنوات عن بواخر النفط الإيرانية وشحنات الأسلحة الروسية. جاء الرد عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، واضحاً من دون لبس واختلاط تأويل: "نحن قلقون... ولن نبدي أي دعم لجهود تطبيع العلاقة مع بشار الأسد". ولقطع أي شك بثبات الدور الأميركي الحازم والواضح، ختم برايس بوصف الأسد بـ"الدكتاتور الوحشي".
أكثر من ذلك، ماذا يمكن للولايات المتحدة "المسكينة" أن تفعل، ها هي شجبت وأدانت وقلقت... بل ووصفت جرائم الأسد بـ"الفظاعات"، لينتهي مشهد ختامي من مسرحية حصار النظام السوري والعقوبات العربية والدولية لدفعه للحل السياسي، وتتالى مشاهد جديدة بأكبر مأساة بالعصر الحديث، بعد أن اقترح ملك الأردن، عبد الله الثاني، في يوليو/تموز الفائت، ومن واشنطن، الحوار مع بشار الأسد، لأنه "باق في السلطة، وعلينا أن نكون ناضجين"، ليلبي ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، نصيحة النضج والواقعية، فاتصل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالأسد، قبل أن يوفد رئيس دبلوماسيته قبل يومين، لوضع نقاط التطبيع على حروف عودة المنطقة إلى سورية الأسد، وليس العكس، وربما تباشير عن السعي لحضور القمة العربية المقبلة التي ستستضيفها الجزائر في مارس/ آذار العام المقبل.
قصارى القول: كل ما جرى للسوريين، من قهر وتشريد وإذلال وتفقير، ووصول سورية للمراكز الأولى عالمياً بمستويات الفقر والتضخم والجوع وهشاشة الدولة، مسائل فيها نظر، وربما هي من المنظور الواقعي العربي، أثمان مستحقة لكل من تسوّل له نفسه التمادي و"الخروج على طاعة الحاكم".
أما بقاء نظام الأسد محاصراً ليجنح للحل، فتلك جريمة لا تغتفر، فأتيح له المجال وشرعت أمامه الأبواب ليتسلل إلى دول الجوار ومنذ سنوات، عبر التمدد الفارسي والاستقواء الروسي حيناً، والتلويح برشى إعادة الإعمار بقية الأحايين، لتكون الإمارات التي آوت آل الأسد ووكلاء أعماله، منذ مطلع الثورة عام 2011، السباقة إلى الخرق العربي العلني، وقت أعادت فتح سفارتها بدمشق في ديسمبر/ كانون الأول 2018، ودعت مذ ذاك إلى تطبيع العلاقات مع الأسد، وتتابع عبر دعم الليرة وإقامة المعارض المشتركة والاتصالات والزيارات، مهمة تعويم النظام السوري الذي قتل نيفا ومليون سوري، وهجر نصف السكان، لأنهم تجرؤوا على طلب الحرية والعدالة باقتسام الثروة. وهدم سورية ولم يزل، لتزيد تكاليف الحرب على حلم السوريين، تكاليف الحربين العالميتين مجتمعتين.
ليفتح اليوم، بالمساعي الإماراتية الحميدة، الباب، على الأرجح على مصراعيه، أمام مصر وبقية الدول العربية "الخجلة" من نقل علاقاتها مع الأسد إلى فوق الطاولة والغرف المنارة، فيكون في الشعب السوري درس تأديب، لكل من يخرج على النظام الرشيد ويتمادى بحلم معيشة الآدميين، أو يفكر مجرد تفكير بالانتقال من العيش بمزرعة المستبدين إلى دولة الحرية والديمقراطية.
ربما من البلاهة أن نسأل عن موقف سورية الأسد، الممانعة والمقاومة للعدو الصهيوني، من الإمارات وزيارة وزير خارجيتها، بعد أن طبعّت أبو ظبي مع إسرائيل وضخت المليارات بعروق الاقتصاد، وفتحت المطارات ونشطت التجارة، بل وأقامت مراقص وحفلات خاصة بحلفائها الجدد. وسورية الممانعة ذاتها من قاطعت مصر السادات وحرّضت المنطقة ونقلت مقر الجامعة العربية من القاهرة، بعد زيارة نوفمبر/ تشرين الثاني 1977.
والبلاهة بطرح السؤال لا تأتي من الهرولة العربية، سراً وعلانية، تجاه تل أبيب، بل لأن إسرائيل هي حامي الأسد الأهم، وهي أكبر مدافع عن بقاء "هكذا مقاوم" يحقق لها كل ما كانت تحلم به، من تهديم بنى الاقتصاد السوري وهياكله وتبديد الثروات وتحطيم المؤسسة العسكرية... لتطمئن وإلى الأبد إزاء هذا الجار الذي أدى دوره الوظيفي باقتدار.
وربما تتمة البلاهة بطرح السؤال تتأتى من كشف علاقة النظام السوري بإسرائيل، وخروجها من الاتفاقات السرية إلى العلن مذ التقيّا على خطورة الديمقراطية التي نشدها السوريون.
ألم يقل رامي مخلوف، ابن خال بشار، وقت كان خازن سورية والمتحكم هو وأبوه باقتصادها منذ مايو/ أيار 2011، في مقابلة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز": "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سورية"؟.
ربما ليس بنهاية القول أوجع وأبلغ من تغريدة أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، على زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق: "الإمارات تواصل بناء الجسور ووصل ما انقطع"، فسلوك الإمارات منذ ما بعد زايد، بالوصل ولأم الصف العربي، واضح من اليمن وليبيا، ثم مصر، وصولاً إلى دمشق.