استمع إلى الملخص
- **التحولات في مواقف الدول الغربية**: زاد اهتمام الشعوب الغربية بالقضية الفلسطينية، وضغطت على حكوماتها لتغيير مواقفها الداعمة لإسرائيل، مما تجلى في قرارات مثل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى هدنة إنسانية.
- **تأثير المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية**: إسرائيل أصبحت منبوذة دولياً، حيث أثرت المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية على سياساتها، مما انعكس في مواقف دول مثل بريطانيا وتركيا وكولومبيا.
قوّضت المجازر البشعة وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والمستمرة منذ أكثر من أحد عشر شهراً، جهوداً دبلوماسية مضنية انخرطت فيها دولة الكيان الصهيوني على مدار 76 سنة، لكسر العزلة التي أحاطت بها منذ إعلان قيامها لإقامة علاقات تطبيعية مع الدول في محيطها العربي والإقليمي والدولي، وفضحت النزعة الصهيونية المغلفة بسردية المظلومية والديمقراطية التي استخدمتها في استجداء ذلك التطبيع.
ومع استمرار العدوان الغاشم على غزة، حدث تحول تاريخي في التعاطف والدعم الشعبي والحكومي لإسرائيل، إلى رفض ومقاطعة وتنديد بالصهيونية ورموزها في الحكومة الإسرائيلية وحكومات الدول الداعمة لها. وفي المقابل، زاد اهتمام الشعوب الغربية بالقضية الفلسطينية وتعاطفهم ودعمهم للفلسطينيين، وضغطت على حكوماتها حتى تحولت عن موقفها الداعم لإسرائيل التي أصبحت شبه معزولة ومنبوذة.
وليس أكثر دقة لوصف حالة إسرائيل اليوم من صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي نشرت مقالاً في شهر مايو الماضي بعنوان، إسرائيل أصبحت بالفعل منبوذة دولياً، فهل يهتم الإسرائيليون بهذا؟ حيث أكدت أن إسرائيل تواجه عزلة دولية في التجارة والأوساط الأكاديمية والدبلوماسية رصدتها صحف دولية مثل فورين بولسي، أسوشييتد برس ورويترز وغيرها من وسائل الإعلام الكبرى، وذلك بسبب العدوان المستمر على قطاع غزة، وخصوصاً بعد تعمّد جيش الاحتلال قتل عمال الإغاثة السبعة التابعين لمنظمة المطبخ المركزي العالمي بثلاث غارات منفصلة، ضمن أكثر من 40 ألف مدني وتشويه وقطع أطراف عشرات الآلاف من الأطفال اليتامى والنساء.
ورصد تلك الحالة جوناثان فريدلاند، وهو كاتب عمود في صحيفة الغارديان ومقدم برامج وفائز بجائزة أورويل للصحافة، في مقال بعنوان "بعد ستة أشهر... الحرب في غزة تجعل إسرائيل دولة منبوذة"، يقول فيه إن الحكومات باتت تستجيب لمزاج شعوبها الرافض لإسرائيل ولم يعد بوسعها تجاهله. وبسبب القتل الممنهج أصبحت إسرائيل، التي تمنى مؤسسوها أن تكون نوراً للأمم، تقف اليوم مثل "الجذام" بين الأمم، إذ لم تكن إسرائيل معزولة في يوم من الأيام إلى هذا الحد قط.
أما مراسل الشؤون الاقتصادية في موقع "والا" الإسرائيلي، يهودا شاروني، فيقول إن إسرائيل أصبحت منبوذة في الاقتصاد الدولي، وإن الأسوأ في الأمر أن المعاملة المهينة تأتي أيضاً من الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل.
تحول عالمي
في بداية العدوان على غزة، أبدت بعض الدول تفهمها للرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى وتعاطفت مع إسرائيل في "الحق في الدفاع عن النفس" ودعمتها مادياً بالأسلحة والمعلومات. وبعد أيام قليلة، أثار الرد المبالغ فيه والقصف المجنون والقتل الهمجي للنساء والأطفال انتقادات شعبية وحكومية واسعة النطاق، ما دفع العشرات من حكومات الدول الغربية، الداعمة تاريخياً للكيان، إلى تعديل مواقفها من العدوان ورفض الرد المفرط، والتجاوب مع شعوبهم المتعاطفة مع حق الشعب الفلسطيني في الحياة، بل مع نضالهم من أجل تحرير وطنهم من البحر إلى النهر.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول، ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة"، بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حماس. تبنّت الجمعية القرار بأغلبية 120 صوتاً، مقابل رفض 14 صوتاً، وامتناع 45 عن التصويت. ونظراً لعمق التحول الدولي في موقفها من التعاطف مع إسرائيل إلى رفض العدوان الهمجي، وصف وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، قرار الأمم المتحدة بأنه "حقير".
وبعد أيام قليلة من إعلان رئيسي وزراء كندا وبريطانيا دعمهما المطلق لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، في رد الفعل الأولي والمبدئي من العدوان، امتنعت الدولتان عن التصويت برفض الهدنة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يُعَدّ تحولاً عن الموقف المطلق المؤيد لإسرائيل.
تحول كندا
لطالما كانت كندا رديف الولايات المتحدة في دعمها الأعمى لإسرائيل، وكانت حكومة الحزب الليبرالي الحاكم بصدد نقل سفارتها إلى القدس أسوة بأميركا. وفي سنة 2018، وقّعت الدولتان اتفاقية تجارة حرة تلغي التعريفة الجمركية على معظم السلع لدعم التجارة بينهما، التي وصلت إلى نحو ملياري دولار.
وبعد السابع من أكتوبر مباشرة، قامت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، بزيارة دعم للكيان وقالت صراحة: "أنا هنا في إسرائيل لأؤكد من جديد دعمنا وإظهار التضامن مع الشعب الإسرائيلي في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس". وفي خطاب رسمي أمام مجلس العموم، أكد رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هجوم حماس "الإرهابي"، وأصدر بياناً قال فيه إن خمسة كنديين لقوا حتفهم في الهجوم، وإن ثلاثة آخرين في عداد المفقودين. وبأسلوب يجافي اللياقة الدبلوماسية، اتهم حماس بأخذهم رهائن من دون تثبت.
وفي تحول تاريخي وسابقة غربية مفاجئة من حليف تاريخي لإسرائيل، وبعد مظاهرات شعبية، اتخذ البرلمان الكندي قراراً بالأغلبية المريحة، يحظر تزويد الجيش الإسرائيلي بأية أسلحة. ولإظهار التجاوب مع الدعم الشعبي لفلسطين، قالت ميلاني جولي، العائدة للتو من زيارة دعم لإسرائيل، كان الاقتراح الأصلي تعليق مبيعات الأسلحة، إلا أنه تم تغيير ذلك إلى الحظر التام ودعم حلّ الدولتين الذي ترفضه حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
وأكثر من ذلك، استأنفت كندا تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، لتصبح أول دولة تستأنف التمويل، من بين 16 دولة علقت تمويلها للوكالة بطلب من إسرائيل. وأصبحت كندا أول دولة تُفشل سياسة إسرائيل الرامية إلى تصفية الوكالة الأممية الأكبر دعماً للفلسطينيين. قرار كندا دفع المفوضية الأوروبية إلى استئناف تمويل الأونروا بصرف 50 مليون يورو، والإفراج عن 32 مليون يورو إضافية. ثم حذت السويد وأستراليا وفرنسا وإيطاليا حذو كندا في استئناف تمويل الوكالة الأممية.
تحول بريطانيا
بعد طوفان الأقصى مباشرة، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية توجه سفن الأسطول الحربي البريطاني إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لدعم إسرائيل، وزار رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ريشي سوناك، إسرائيل على متن طائرة عسكرية تحمل أسلحة وعتاداً دعماً لها. وأظهر مقطع فيديو خروج سوناك من باطن الطائرة من بين الأسلحة والعتاد العسكري، وقال لدى وصوله: "قبل كل شيء، أنا هنا للتعبير عن تضامني مع شعب إسرائيل، لقد تحملتم عملاً إرهابياً فظيعاً وأريدكم أن تعلموا أنني وبريطانيا نقف إلى جانبكم".
وبسبب موقف حكومة المحافظين المؤيد لإسرائيل والموقف الشعبي الداعم للفلسطينيين، منح البريطانيون في الانتخابات العامة الأغلبية المطلقة لحزب العمال المتعاطف مع غزة، ومُني المحافظون بهزيمة ثقيلة. وأقام البريطانيون مظاهرات حاشدة أمام مصانع الأسلحة المتعاونة لإسرائيل وأوقفوا العمل في عدد منها، وأضرب الموظفون في أقسام تراخيص الأسلحة التابعة لوزارة التجارة لوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
وفي تحوّل غير مسبوق للدولة التي منحت إسرائيل وعد بلفور لإقامة وطن لليهود في فلسطين، أوقف وزير الخارجية الجديد، ديفيد لامي، 30 رخصة تصدير أسلحة لإسرائيل، تشمل طائرات مقاتلة ومروحيات وطائرات مسيرة. وأعلنت الحكومة الجديدة استئناف دعم الأونروا. التحول البريطاني، رغم أنه رمزي في نتائجه على مجرى الحرب، لكنه أغضب جميع أعضاء الحكومة، حتى وصف نتنياهو القرار بأنه "مخزٍ" من دولة صديقة. وهو تحوُّل غير متوقع من بريطانيا، سيما أنها أكبر وجهة تصدير لإسرائيل في أوروبا ورابع شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا، ويقدر حجم التجارة بينهما بنحو 11 مليار دولار.
صدمة تركيا
استجابة للمظاهرات الشعبية الضخمة ضد إسرائيل، أعلنت وزارة التجارة التركية في بداية شهر مايو الماضي تعليق جميع معاملاتها التجارية مع إسرائيل، التي وصلت إلى 9.5 مليارات دولار، وأوقفت تصدير 54 منتجاً إلى إسرائيل، كان من بينها الحديد والرخام والصلب والإسمنت والألومنيوم والطوب والأسمدة ومعدات ومواد البناء ووقود الطائرات. وهو القرار الذي أحدث صدمة للحكومة الإسرائيلية وأخرج بعض أعضائها عن الصواب، وتسبب في ارتفاع أسعار السلع، وصعوبات في سلاسل الإمداد البديلة.
واتخذ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي سعى في السنوات الماضية لدعم العلاقة بإسرائيل، قراراً شجاعاً بالانضمام إلى جنوب أفريقيا في الشكوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وأعلن أنه سيعارض استمرار علاقة الشراكة بين حلف شمال الأطلسي، الناتو، والحكومة الإسرائيلية، واشترط وقف العدوان والقبول بحل الدولتين.
وحذت كولومبيا حذو تركيا. ورغم أنها بعيدة عن الصراع في الشرق الأوسط، ولها علاقات تاريخية مع إسرائيل، وبينهما اتفاقية تجارة حرة، وهي أكبر مصدر للفحم لإسرائيل بقيمة 450 مليون دولار سنوياً، قال رئيس كولومبيا، جوستافو بيترو، إن بلاده حظرت تصدير الفحم إلى إسرائيل، لأنها تستخدمه لصنع قنابل تقتل به أطفال قطاع غزة.