في الوقت الذي تعاني فيه باكستان واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية، يكافح ملايين المواطنين من أجل الاحتفال بشهر رمضان المبارك وسط موجة تضخم بالغة الارتفاع.
وأدى التضخم المرتفع منذ عقود، وما يرافقه من انخفاض هائل في قيمة العملة المحلية، إلى تراجع ملحوظ في القوة الشرائية المتضائلة بالفعل لملايين الباكستانيين.
وأدت هذه الظروف الاقتصادية المتردية إلى جعل الباكستانيين غير قادرين على تغطية نفقاتهم، أو بالأحرى أصبح الأمر مستحيلا.
ومع ذلك، توصلت الحكومة والجمعيات الخيرية المحلية إلى عدة تدابير للتخفيف من تأثير التضخم على الأقل خلال شهر رمضان.
بازار التخفيضات.. فرصة للشراء
يقف الباكستاني غولزار أحمد وسط طابور طويل ينتظر دوره لشراء منتجات غذائية من سوق أقيم بشكل مؤقت خصيصا لشهر مضان، ويمنح تخفيضات كبيرة للمواطنين مقارنة بالأسواق الأخرى.
وأطلق على هذا السوق اسم "بازار التخفيضات"، ويقع في حي تقطنه عائلات من متوسطي الدخل في العاصمة التجارية للبلاد والمدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان كراتشي.
ويعد "بازار التخفيضات" في كراتشي واحدا من عشرات المرافق المؤقتة حيث يمكن للمواطنين شراء المواد الغذائية الأساسية بنسبة تخفيضات تتراوح بين 30 و50 بالمائة خلال شهر رمضان.
وبزيارة هذا السوق، يمكن رصد أكوام الفاكهة والخضراوات في الجانب الخلفي من البازار، بينما غطت أكشاك المواد الغذائية الصفوف الأمامية.
ويظهر بوضوح في المكان وضع قوائم أسعار تبرز الفرق بين أسعار المنتجات في "سوق التخفيضات" ومثيلتها في الأسواق العادية.
وقال أحمد، موظف حكومي متقاعد يعتمد كليا على معاشه، إنه يشتري المنتجات الغذائية من "سوق التخفيضات"، منذ إقامته، مع حلول شهر رمضان.
وأضاف أن هذا السوق "هو المكان الوحيد" الذي يمكنه فيه الحصول على الأشياء بأسعار مخفضة بشكل كبير.
وتابع: "الحمد الله، لا تزال هناك بعض الأماكن التي يمكننا تحمل تكاليفها، على الأقل خلال شهر رمضان".
وأشار أحمد إلى "تردي أوضاعه الاقتصادية وانخفاض قدرته الشرائية هذا العام، بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار وانخفاض قيمة الروبية".
ويذكر أن هذه الأسواق المخفضة أُنشئت من قبل مؤسسة الخدمات، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية في البلاد، بالاشتراك مع صندوق رعاية السيلاني، وصندوق رعاية بيت السلام، ومنظمات أخرى في جميع أنحاء المدينة.
خدمات لجميع الفئات
وأجبر التضخم المتصاعد في باكستان الجمعيات الخيرية على تغيير خططها السنوية المتعارف عليها خلال شهر رمضان، والتي كانت تشمل في العادة تقديم وجبات إفطار مجانية في الشوارع للفقراء والمسافرين.
وفي هذا الشأن، أوضح رشيد قريشي، مدير مؤسسة الخدمات (خيرية)، أن "تدهور الظروف المعيشية هذا العام لم يطاول الفقراء فقط"، مشيرا إلى أن "المساعدات باتت ضرورية للمواطنين الذين ينتمون إلى فئة الدخل المتوسط والتي تأثرت أوضاعهم الاقتصادية بسبب التضخم والبطالة".
وأضاف أن المؤسسة "حولت مواردها من وجبات الإفطار في الشوارع إلى البازارات المخفضة، حتى يشعر المواطنون العاديون بالراحة إلى حد ما".
وتتميز باكستان بأنها واحدة من أكثر الدول الخيرية في العالم، فإلى جانب التبرعات الطوعية، يعد دفع الزكاة إلزاميا في البلاد.
مشروع الخبز "المخفض"
وأطلقت مؤسسة "Baitussalam Trust" الخيرية، ومقرها كراتشي، مشروعا لتوفير الخبز للمحتاجين بسعر مخفض خلال شهر رمضان.
وأقامت المؤسسة عشرات الأفران في أجزاء مختلفة من البلاد، وخاصة في كراتشي، لطهي الخبز من أجل توفيره للفقراء بسعر رمزي قدره 5 روبيات (0.018 دولار) يوميًا.
ومن جهته، قال حذيفة رفيق، المسؤول في صندوق "رعاية بيت السلام" (مؤسسة خيرية)، إن "الدافع وراء المشروع هو توفير الخبز للأسر التي لا تستطيع تحمل شراء ما يكفيها خلال وجبتي السحور والإفطار".
وأضاف رفيق أن المؤسسة الخيرية "تدرس استمرار المشروع حتى بعد رمضان".
سلال غذائية
وعلى هذا النحو، غيرت مدينة بيشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا، ثقافتها الراسخة خلال شهر رمضان، وقررت توزيع سلال غذائية على المواطنين، عوضا عن إقامة حفلات إفطار كبرى في الأسواق الرئيسة والحدائق والمساجد.
وخلال رمضان الجاري، قامت السلطات والجمعيات الخيرية بتوزيع سلال غذائية تكفي لمدة شهر على 2000 أسرة فقيرة، لمساعدة أفرادها على مواجهة الغلاء والتضخم.
جهود حكومية
وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية التي حلت بالباكستانيين، أظهر مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، حشدا من المواطنين اليائسين يقتحمون وينهبون مخيما مؤقتا، أقامه شبان محليون لبيع المواد الغذائية الأساسية بأسعار مدعومة في منطقة كراتشي الشرقية.
وعكس المقطع مشاعر اليأس التي سيطرت على المجتمع الذي بات يعاني من أزمة مالية حادة، يرافقها انخفاض في الاحتياطيات الأجنبية إلى ما يزيد قليلا عن 4 مليارات دولار.
وبعد الانخفاض الحاد في قيمة الروبية، قفزت معدلات التضخم في باكستان إلى 35.4 بالمائة في مارس/آذار الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ يونيو/ حزيران 1974.
ووصلت قيمة الروبية، في الأشهر الأخيرة، إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 286 روبية مقابل الدولار الواحد، لتصبح واحدة من أضعف العملات في آسيا.
وكان سعر الروبية 188 مقابل الدولار الواحد، حتى إبريل/نيسان 2022.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أطلقت الحكومة الفيدرالية وحكومات المقاطعات الأربع الباكستانية مشروعا لمنح الطحين المجاني أو المدعوم للفقراء وذوي الدخل المنخفض في جميع أنحاء البلاد.
ورغم أن مئات الآلاف قد استفادوا من هذا المشروع، إلا أن ما يقرب من 20 شخصا، في كراتشي وحدها، لقوا حتفهم حتى الآن خلال الأسابيع القليلة الماضية، إثر حوادث تدافع أثناء توزيع الطحين والحصص المدعومة في مناطق مختلفة من البلاد.
ارتفاع معدلات الفقر
وعلى هذ النحو، شهدت الدولة النووية الواقعة في جنوب آسيا ارتفاعًا كبيرا في أسعار الطحين والأرز، ويرجع ذلك أساسًا إلى غمر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في مقاطعات جنوب السند وجنوب غرب بلوشستان بسبب الفيضانات الشديدة العام الماضي.
كما تسبب تعطيل الواردات من أوكرانيا في أعقاب الحرب الروسية، التي بدأت في 24 فبراير/ شباط 2022 ومستمرة حتى الآن، في تفاقم أزمة الطحين والأرز.
وتنتج باكستان - الدولة القائمة على الزراعة - سنويا، ما متوسطه 20 إلى 24 مليون طن من القمح، مقابل احتياجاتها الفعلية البالغة 30 مليون طن.
وتستورد إسلام أباد الكمية المتبقية من القمح من دول مختلفة، وخاصة من أوكرانيا.
وارتفع سعر الطحين إلى 140 روبية (0.5 دولار) للكيلوغرام الواحد من 72 روبية (0.25 دولار) للكيلوغرام خلال الأشهر القليلة الماضية.
وحرم هذا الارتفاع في سعر الطحين أكثر من 20 في المائة من إجمالي سكان البلاد، البالغ عددهم 220 مليون نسمة والذين يعيشون تحت خط الفقر، من الحصول على ما يكفي من الحبوب لملء بطونهم.
وفي 2023، من المتوقع أن تصل نسبة الفقر في باكستان إلى 37.2 بالمائة، ووفقا لتقديرات البنك الدولي.
(الدولار = 286 روبية تقريبا)
(الأناضول)