لم يعد توظيف الأديان قاصراً على الأغراض السياسية والايديولوجية التي تمارسها الأنظمة الحاكمة والجماعات المعارضة على حد سواء فحسب، وإنما امتد أيضا إلى الأمور الاقتصادية والمالية والاستثمارية، وأحدث مثال على ذلك تصريحات أدلى بها أمس الأثنين رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، والتي قال فيها إن "الاستثمار في مصر واجب شرعي كما هو واجب قومي ويكفي ما قاله الرسول عنها".
لن أدخل في تفسير ما هو شرعي وما هو غير شرعي لأن هذه ليست مهمتي ولا أفهم في الأمور الفقهية المتخصصة، لكن ما لا أفهمه هو أن يقحم رئيس مجلس الأمة الكويتي الدين في مسألة بزنس واضحة لها علاقة بالمال والاقتصاد، ما أفهمه أن يقول لنا المسؤول الكويتي إن الاستثمار في مصر مربح من الناحية الاقتصادية والمالية وهو محق في ذلك، نظرا للمزايا الضخمة التي يتمتع بها السوق المصري من أيدٍ عاملة رخيصة وفرص استثمار واعدة في كل القطاعات الاقتصادية، وإمكانية تحقيق أرباح تفوق تلك التي يمكن أن يحققها المستثمر في أسواق أخرى خاصة في الدول الناشئة التي تتميز بالعوائد العالية والمخاطر العالية أيضاً.
مصر فيها الكثير من المزايا والفرص الاقتصادية الواعدة، ويكفي أن نقول إن بها أكبر سوق للمستهلكين في منطقة الشرق الأوسط يضم نحو 90 مليون شخص، وهذا السوق يستوعب منتجات آلاف المصانع الجديدة وليس المصانع القائمة فقط، كما أن واردات مصر السنوية تفوق 60 مليار دولار، وهذا الرقم يمكن توفيره في حال توافر المنتجات والسلع المستوردة داخل السوق المحلي، وعلى رأس هذه السلع الأغذية التي تلتهم الجزء الأكبر من واردات مصر، بالإضافة للأدوية والسلع الوسيطة.
أما أن أقول إن الاستثمار في مصر واجب شرعي فقد ذكرني بالممارسات الفجة التي مارستها شركات توظيف الأموال في مصر في ثمانينيات القرن الماضي، حينما زعمت أن الاستثمار لديها هو الحلال وما دونها ضلال، كما ذكرتني بالممارسات الحالية للبنوك الإسلامية والتي ترفع شعار الحلال والحرام وتمارس نفس أنشطة البنوك التقليدية وتسير علي نهجها اللهم الا تغييرات في المصطلحات المصرفية المستخدمة في التعاملات.
الأديان أنظف من أن نلوثها حتى في معركة اقتصادية مضمونة مثل الاستثمار والبزنس والتعاملات المالية والصفقات، فمصر يمكن أن تجذب كبريات الشركات العالمية والمستثمرين الدوليين حال حدوث استقرار سياسي وأمني حقيقي وبدون أن نقول إن الاستثمار بها واجب ديني وقومي علي كل العرب أن يقوموا به.