يمر العالم حالياً بأزمة طاقة حادة وغير مسبوقة، فهناك زيادة في أسعار النفط أدت إلى ارتفاع كلفة المشتقات البترولية، وهناك زيادة قياسية غير مسبوقة في أسعار الغاز الطبيعي.
وأدت الأزمة القائمة إلى حدوث قفزات في أسعار البنزين والسولار وفواتير الكهرباء والمياه والمواصلات العامة، وتعطل الإنتاج، وتوقف المصانع في العديد من دول العالم، وربما تثير لاحقا اضطرابات تشبه الاضطرابات الشعبيّة العنيفة التي شهدتها فرنسا في شهر أيار/مايو 2018 عقب مولد حركة السترات الصفراء أو حركة السُتر الصفراء.
ورغم أن أزمة الطاقة عالمية، إلا أن معالجة تداعياتها الخطيرة على المواطن اختلفت من دولة لأخرى، ففي المنطقة العربية، التي تصنف معظم حكوماتها بأنها غير منتخبة ولا تعبر عن الرأي العام، سارعت تلك الحكومات إلى تحميل المواطن أعباء الأزمة، في صورة زيادات في أسعار المشتقات البترولية وفواتير الكهرباء والنقل والضرائب والرسوم وغيرها.
أما في الدول الغربية المنتخبة، فقد سارعت الحكومات إلى إيجاد حلول بعيدا عن جيب المواطن وإرهاقه ماديا، حلول من بينها تقديم دعم ومساعدات العاجلة للأسر المتضررة وخفض ضرائب الطاقة وغيرها.
تحولت بعض الحكومات إلى تاجر جشع وسمسار تتاجر في المواطن وآلامه وتزيد أعباءه المعيشية، لأنها حكومات غير منتخبة تلجأ إلى القبضة الأمنية في حال ما استشعرت أي تذمر من المستهلك
في لبنان مثلا ارتفعت أسعار البنزين في يوم واحد، هو أمس الأربعاء، بنسبة تزيد عن 24%، وهو ما يعتبر نهاية عصر الدعم الحكومي المقدم للوقود، وبات سعر صفيحة البنزين يوازي نصف الحد الأدنى للأجور في ظل قفزات مستمرة في أسعار الوقود، وزيادات أسبوعية لأسعار المشتقات البترولية.
ساهم في هذا الوضع المأساوي والمتردي فشل حكومي ذريع وانتشار الفساد وتهريب الأموال من قبل الطبقة الحاكمة الفاسدة، وخفض الدعم عن المحروقات، وارتفاع أسعار النفط عالميا، وتصاعد سعر الدولار إلى أكثر من 20 ألف ليرة لبنانية.
يتكرر المشهد، وإن كان بصورة أقل حدة، في دول عربية عدة، ففي سورية لا تتوقف الحكومة عن إجراء زيادات في أسعار الوقود بكل أنواعه، بما فيها غاز الطهي، مع خفض الدعم المقدم للوقود.
وفي السودان، لا تقتصر أزمة المواطن على زيادة أسعار المشتقات البترولية، بل تكمن المشكلة الأكبر في الطوابير المتراصة أمام محطات الوقود واختفاء البنزين والسولار وأنابيب غاز الطهي.
وفي اليمن، الذي كان يوما ما سعيدا، حدّث ولا حرج عن قفزات أسعار الوقود مع التهاوي المستمر في سعر الريال مقابل الدولار، واستمرار الحرب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس، على مدى 7 سنوات، وتهاوي الصادرات وتحويلات المغتربين، وسيطرة دول مجاورة على ثروات البلاد.
وبات سعر البنزين في اليمن هو الأغلى عربيا، بواقع 1.69 دولار/ لتر، يليه الأردن بواقع 1.49 دولار/ لتر.
سارعت الحكومات الغربية إلى إيجاد حلول بعيدا عن جيب المواطن وإرهاقه ماديا، من بينها تقديم مساعدات العاجلة للأسر المتضررة وخفض ضرائب الطاقة
وفي الجزائر، التي تصنف على أنها واحدة من الدول النفطية الكبرى في المنطقة وواحدة من أكبر مصدّري الغاز، تضاعفت أسعار البنزين والمازوت 100% على مدى 5 سنوات، وتتذرع الحكومة بتراجع إيرادات الدولة وعجز الموازنة العامة، ولا تعترف بالطبع بالفساد الذي أكل نحو 150 مليار دولار من احتياطي البلاد خلال سنوات قليلة.
وفي تونس ترفع حكومة قيس سعيد أسعار البنزين والسولار والغاز ليلا، بعد أن وعدت المواطن بالمن والسلوى وخفض الأسعار، عقب انقلاب 25 يوليو الناعم.
ومن المتوقع استمرار تلك الزيادات، مع مواجهة البلاد عجزا ماليا بـ3.2 مليارات دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط.
يتكرر الوضع في مصر والأردن اللتين تبيعان الوقود بالأسعار العالمية، رغم ضعف القدرة الشرائية للمواطن وتدنّي الدخول وزيادات البطالة وتضخم الأسعار وتراجع فرص العمل والتشغيل وانتشار التعثر والإفلاس وسط القطاعات الاقتصادية، علما أن الأردن بات يحتل المرتبة 46 عالميا من حيث أعلى أسعار البنزين مع القفزات الأخيرة.
ببساطة، الحكومات العربية تقهر المواطن، وتنفض يدها من التصدي للأزمات المعيشية ومنها غلاء سعر الوقود، وتحمّل المستهلك أي زيادات عالمية في أسعار النفط والغاز.
بل وتحولت تلك الحكومات إلى تاجر جشع وسمسار تتاجر في المواطن وآلامه وتزيد أعباءه المعيشية، لأنها ببساطة حكومات غير منتخبة تلجأ إلى القبضة الأمنية في حال ما استشعرت أي تذمر من المستهلك، وتفتح السجون على مصراعيها لأي مواطن يشكو الغلاء وسوء المعيشة، وتجعل الناس تخشى حتى من التعبير عن رأيها في مسألة غلاء المعيشة.
لكن كيف عالجت الحكومات المنتخبة أزمة الطاقة؟
سأجيب عن هذا السؤال في مقال لاحق.