الدولار سيد الموقف على أرض الجنيه المصري الذي يتراجع يوميا منذ زلزال الخميس الماضي عندما شرع البنك المركزي في تنفيذ التعويم الثالث للجنيه خلال 8 سنوات.. هكذا وصف محللون ماليون، حالة الأسواق المصرية، التي سادتها حالة من الارتفاعات المستمرة في أسعار السلع، خاصة الغذائية، التي يحتاجها المواطنون يوميا.
تراجع سعر الجنيه مقابل الدولار، إلى مستوى قياسي جديد، الإثنين مسجلا 24.4 جنيهاً مقابل الدولار في البنوك، ليفقد 16% من قيمته منذ الزلزال الأخير، ومسجلا تراجعاً بقيمة 53% منذ بداية العام الحالي، ليصبح "أحد أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداء في عام 2022، وفقا لـ"بلومبيرغ".
بدأت حركة الأسعار تتغير يوميا، في العديد من السلع، الموجودة على رفوف المحلات، حيث أزيلت الأسعار المكتوبة على السلع، متحدية قرارات وزارة التموين التي تلزم العارضين بوضع السعر على كل سلعة بالمحلات، ولدى الموزعين.
وارتفعت أسعار الدواجن الحية إلى 44 جنيها للكيلو المذبوح، و94 للبانيه و85 شيش طاووق، وينتظر أن تحدد شعبة اللحوم الأسعار الجديدة غدا مع بداية أسبوع العمل بمحلات الجزارة، في ضوء زيادة في أسعار الأعلاف، بلغت نسبتها 20% دفعة واحدة، منذ الخميس الماضي، مع وجود شح في العرض مقابل زيادة الطلب، من المنتجين. وزاد سعر الجبن والألبان وبيض المائدة، بمعدلات طفيفة في معظم الأسواق.
اجتماع عاجل للصناعيين
قال هاني برزي رئيس مجلس التصدير للصناعات الغذائية في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن غرفة الصناعات الغذائية ستعقد اجتماعا عاجلا الأربعاء، لمناقشة تداعيات ارتفاع سعر الدولار، وأثره على مصنعي ومصدري السلع الغذائية.
وأكد برزي أن ما يقال عن إمكانية أن يساهم ارتفاع قيمة الدولار في زيادة الصادرات المصرية من السلع الغذائية، قول غير صحيح، مشيرا إلى أن الصناعة تتأثر كثيرا بحركة الدولار، لأنها تحتاج إلى استيراد كثير من مدخلات الإنتاج من الخارج.
أوضح رئيس المجلس التصديري في تصريحه أن تغير سعر الدولار تصاعديا أدى إلى زيادة هامشية في قيمة صادرات السلع الغذائية للخارج، بلغت 3% فقط خلال العام الحالي، عن العام الماضي. وبين أن بعض السلع تحتاج إلى شراء 20% إلى 60% من مكوناتها من الخارج بالدولار، وبالتالي أي تغيير في تكلفة الإنتاج سيظهر أثره مباشرة في قيمة الصادرات والأسعار للمستهلكين.
وقال هشام حمدي محلل مالي أول بشركة "النعيم": إن الدولار أصبح سيد الموقف في الأسواق، وبخاصة أسواق السلع الغذائية، مبينا أن مصر تستورد معظم السلع الأساسية من الخارج، ومنها القمح والأعلاف ومدخلات إنتاج مصانع الألبان والجبن، متوقعاً أن يظل للدولار دور في تحريك الأسعار خلال الفترة المقبلة.
وأوضح المحلل المالي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الزيادة في أسعار تلك الخامات ستدفع إلى زيادة سعر الجبن، الذي أصبح يشكل وجبة رئيسية لدى الأسر التي تبحث عن بدائل رخيصة لتجهيز وجباتها يوميا، وذلك لحاجة المصانع إلى بودرة الحليب وفول الصويا.
وبين أن منتجات شركة ألبان "عبور لاند" زادت منذ بداية العام الحالي نحو 30% متأثرة بارتفاع قيمة الدولار، وينتظر أن تزيد في المرحلة المقبلة متأثرة بالضغوط نفسها.
وذكر حمدي أن مجموعة "جهينة" التي لجأت إلى استخدام الألبان المحلية، كبدل لاستيراد بعض الخامات، لن تنجو من نفس الضغوط التضخمية في تكلفة الخامات، وإن كانت أقل حدة، وكذلك منتجات "دومتي".
ارتفاع التضخم
وتوقع المحلل المالي أن تؤدي ارتفاعات الأسعار، بعد زلزال الخميس إلى ارتفاع بمعدلات التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين، بنسبة تتراوح بين 15 و20%، بالنتائج الرسمية للتضخم في مطلع الشهر المقبل.
وأشار حمدي إلى أن المواطنين بدأوا بالبحث عن بدائل شعبية ورخيصة لكافة السلع الغذائية، لمواجهة التضخم، مشيرا إلى أن الميزانية المحدودة، أوجبت عليهم تخفيض كميات الأغذية والسلع اليومية، بخاصة أن الشركات ستقوم بتمرير أسعار التكلفة تدريجيا إلى المستهلك، ولو على مراحل، بعد أن زادت تكاليف الإنتاج مع ارتفاع الدولار.
وأعرب المحلل المالي، عن أمله في أن تشهد الأسواق خلال المرحلة المقبلة هدوءا نسبيا، في ظل التزام البنوك بتوافر العملة الصعبة للموردين والمصنعين، عبر القنوات الرسمية.
وتوقعت شركات صناعية وعقارية ومنتجة للمواد العازلة، تحقيق خسائر مالية كبيرة نتيجة فروق العملة. حيث أعلنت مجموعة "حديد عز" في بيان إفصاح للبورصة أمس أنها تتوقع خسائر فروق عملة بقيمة 2.2 مليار جنيه، جراء تعويم الجنيه، مشيرة إلى أن الخسائر قد ترتفع إلى 3.3 مليارات جنيه، مع نهاية العام الحالي.
وتعرضت أذون الخزانة لضربة موجعة أمس الأول، مع طرح وزارة المالية أذوناً بقيمة 55 مليار جنيه. باع البنك المركزي أذونا لحساب الوزارة بقيمة 11.4 مليار جنيه فقط، بعد أن رفض المشترون معظم العطاءات، حيث طلبوا رفع العائد إلى 25%، بعد رفع أسعار الفائدة من البنك المركزي، بمقدار 200 نقطة الخميس الماضي.
وعلى جانب مواز، يناقش مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية من البرلمان) تعديل قانون تعويضات عقود المقاولات والتوريدات والخدمات العامة الصادر عام 2017، لمنح تعويضات للمقاولين المتعاقدين مع الحكومة، ممن تكبدوا خسائر بسبب تعويم الجنيه، منذ عام 2016.
وتسعى الحكومة إلى إعادة المقاولين للعمل، بعد أن أصيبت سوق العقار بشلل تام، مع تكرار خسائر المقاولين، بسبب تعديل سعر الجنيه مقابل الدولار، وأصبح يعادل نحو ربع قيمته التي كان عليها منذ التعويم الأول في 2016.