استمع إلى الملخص
- تفاقمت الأوضاع الصحية بسبب انتشار الأوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك، مع خروج العديد من المؤسسات الصحية عن الخدمة وتشرد الكوادر الصحية، مما زاد من مخاوف منظمات المجتمع المدني.
- شهد الاقتصاد السوداني دماراً واسعاً، خاصة في الخرطوم، مع خسائر تقدر بـ 200 مليار دولار وتدهور سعر صرف العملة، مما أدى إلى تعقيدات في السيولة وتوقف الاستثمار الأجنبي.
يودع السودانيون عام 2024 حاملين أمتعة نزوح مليئة بثقوب المعاناة التي خلفتها الحرب التي لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لها، ودفعت البلاد إلى انهيار اقتصادي ومعيشي كبير.
ومع تواصل الحرب بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي"، منذ إبريل/ نيسان 2023، تضاعفت أعداد الفارين داخل البلاد وخارجها خلال 2024، لتتجاوز 14 مليون شخص، بحسب آخر إحصائية صادرة عن منظمة الهجرة الدولية، مقارنة بنحو 7.1 ملايين نازح ولاجئ وفق الأمم المتحدة في نهاية 2023. ووفق الإحصائية الأخيرة، هناك 11 مليون نازح داخل البلاد، و3.1 ملايين شخص عبروا الحدود إلى دول مجاورة.
وتتكدس ولايات البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، شرق السودان، علاوة على ولايتي نهر النيل والشمالية، شمالي البلاد، وولاية النيل الأبيض (وسط)، بالنازحين الذين اضطرّوا لمغادرة منازلهم تحت وطأة القتال، لتتبدل خريطة العيش في البلاد، وسط صعوبات معيشية كبيرة. ووفق الأمم المتحدة، لم يتم تحصيل إلا 27% فقط من إجمالي قيمة خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين السودانيين للعام 2024 المقدرة بـ1.51 مليار دولار.
كما حذر تقرير دولي نُشر في 27 يونيو/ حزيران الماضي من خطر حدوث مجاعة في 14 منطقة سودانية، إضافة إلى مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي الحاد في أنحاء البلاد. وحتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بلغ عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في السودان 28.9 مليون شخص، بينهم 16.9 مليوناً بحاجة إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة، وفق مفوضية العون الإنساني الحكومية.
انتشار الجوع أصبح السمة الأساسية في مناطق النزاع، بل وامتد أثره إلى مناطق إيواء النازحين، حيث يرى مختصون أن أعداد المعرضين لخطر الجوع أكبر من تلك الأرقام المعلنة من قبل الأمم المتحدة وحتى من حكومة السودان، وأضافوا أنه بالتأكيد هناك مناطق لا تستطيع الأمم المتحدة ولا الحكومة السودانية الوصول إليها وإجراء إحصاء فيها، حيث لا أحد يعرف حقيقة الوضع في جبال النوبة، وفي مناطق واسعة من دارفور.
وبجانب تزايد النزوح وتناقص الغذاء، تفشى عدد من الأوبئة في السودان، خاصة بسبب موسم الأمطار الذي ضرب مناطق واسعة خلال الفترة من يونيو/ حزيران وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2024. ووفق إحصاءات وزارة الصحة، تم تسجيل ما يزيد عن 44 ألف إصابة بمرض الكوليرا، كما أصيب نحو 8500 شخص بحمى الضنك.
وأرجع مختصون انتشار الأوبئة إلى تأثيرات الحرب، التي أدت إلى نقص الإجراءات الاحترازية وتراجع حملات التحصين وقلة التدابير المتعلقة بمكافحة أمراض الخريف من قبل الحكومة والمنظمات الدولية. وتأثر القطاع الصحي بسبب الحرب، وهناك مؤسسات صحية كثيرة خرجت عن الخدمة في عدة مناطق، وتشردت الكوادر الصحية. وتخشى منظمات المجتمع المدني من موجات ثانية لهذه الأمراض، فمع تواصل الحرب وتأثيراتها على القطاع الصحي، فإن عوامل انتشارها ما زالت متوفرة.
وطاول الدمار مختلف قطاعات الاقتصاد، حيث تعتبر ولاية الخرطوم التي شهدت دماراً واسعاً، العمود الفقري للاقتصاد من حيث البنى التحتية والإنتاج والخدمات الأساسية بما فيها الخدمات المالية والمصرفية والاتصالات، إضافة إلى القوة الشرائية والاستهلاك العائلي. كما امتدت الحرب منذ نهاية 2023 إلى ولاية الجزيرة، وهي أكبر ولايات البلاد من حيث الإنتاج الزراعي، بما في ذلك إنتاج القمح الذي يساهم في حصة مهمة من الأمن الغذائي لمعظم المواطنين، إضافة إلى توفير رصيد مهم من النقد الأجنبي لجهة إحلال الواردات أو الصادرات. كما امتد تأثير الحرب إلى ولايات دارفور الخمس (غرب البلاد)، وأيضاً ولايات كردفان (وسط)، فضلاً عن مناطق في ولايات النيل الأبيض وسنار (جنوب)، والقضارف (شرق).
وشهد العام 2024 توقف خدمات الاتصالات وسط الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الخاصة بها. وقدر خبراء اقتصاد الخسائر الأولية للدمار الذي خلفته الحرب بنحو 200 مليار دولار، وذلك باستثناء كلفة توقف الأعمال الخاصة بالإنتاج وقطاعات الأعمال والتجارة والتمويل والإيرادات العامة وخروج كثير من النقد الأجنبي مع من نزحوا إلى خارج البلاد، الذي أشار خبراء إلى أنها باهظة بجميع المقاييس الاقتصادية، مع كلفة تعطل الجهاز المصرفي بصورة كبيرة وتوقف حركة التحويلات المصرفية والتمويل والنقل الجوي والبحري والتجارة العابرة للحدود عبر المعابر. أما كلفة التنقيب عن الذهب وتصديره فهي غير مرصودة حتى الآن، مع إضافة توقف الاستثمار الأجنبي والمنح والإعانات الدولية والإقليمية إلى كلف الحرب.
وتدهور سعر صرف العملة السودانية بشكل كبير خلال 2024، وصل إلى 2600 جنيه للدولار، مقابل نحو 500 جنيه قبل الحرب. وأفرزت الأزمة ظواهر سلبية واسعة، حيث أصبح الجنيه السوداني سلعة تباع في الأسواق لانعدام "الكاش"، لا سيما مع توقف الكثير من المؤسسات عن العمل بالتطبيقات المصرفية، ما زاد تعقيدات السيولة في البلاد. أما بالنسبة للقطاع الصناعي، فقد أظهرت بيانات صادرة عن وزارة الصناعة أن 90% من المصانع والشركات تضررت، وقدرت خسائر القطاع بنحو 20 مليار دولار.