استمع إلى الملخص
- تأثير العدوان على مصر وسوريا: تأثرت مصر بانخفاض عائدات قناة السويس بنسبة تزيد عن 60%، مما أثر على النمو الاقتصادي. في سوريا، تجاوزت الخسائر الاقتصادية 530 مليار دولار بعد سقوط نظام بشار الأسد.
- التحديات المستقبلية وآفاق إعادة الإعمار: تواجه الدول المتضررة تحديات كبيرة في إعادة الإعمار. تعتمد غزة على المساعدات الإنسانية، بينما يحتاج لبنان إلى دعم دولي. في سوريا، يُنظر إلى عام 2025 كبداية لإزالة آثار الدمار.
مقتلة اقتصادية وإبادة معيشية، هكذا كان الوضع بالنسبة للفلسطينيين في قطاع غزة خلال 2024، الذي يودعونه، اليوم، بينما يدخلون العام الجديد بتلال شاهقة من الأزمات بفعل التدمير الواسع الذي خلفه العدوان الإسرائيلي، والذي طاول أيضاً لبنان المأزوم بالأساس ليفاقم أوجاعه، فيما امتدت انعكاسات العدوان إلى الأردن، بينما كان لسورية وضع خاص، إذ ودعت العام بإرث ثقيل من الدمار، الذي خلفه وراءه نظام بشار الأسد الهارب، وهو ما يجعل البلد بحاجة إلى سنوات ممتدة لإزالة آثاره، وربما يكون 2025 عام نفض الغبار تمهيداً لإعادة إعمار مأمول.
وسجلت مختلف القطاعات الاقتصادية من الصناعة إلى الزراعة والصيد وحتى التجارة والبنية التحتية في غزة آثاراً كارثية، الأمر الذي ضاعف نسب الفقر والبطالة التي شارفت على الوصول إلى نسبة 100%، بعدما تضرر الإنتاج بنسبة تفوق 93%، ما أدى إلى تعقيد التفاصيل اليومية للفلسطينيين.
وتعمد الاحتلال منذ اليوم الأول للعدوان في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 استهداف المصانع والشركات والمخازن والأسواق والمحال التجارية بشكل مباشر، لكن 2024 شهد تدميراً واسعاً لكل مقومات الحياة. وقدر البنك الدولي خسائر البنية التحتية بحوالي 18.5 مليار دولار. وتسبب العدوان في فقدان أكثر من 200 ألف فلسطيني في قطاع غزة لوظائفهم وارتفاع معدلات البطالة إلى حوالي 80%، إلى جانب وصول معظم أهالي قطاع غزة إلى حافة المجاعة بفعل معاناة جميع السكان من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد، واعتمادهم بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، حيث وصلت نسبة الفقر إلى 100% تقريباً.
وحذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، مساء الأحد الماضي، من "اقتراب المجاعة" في قطاع غزة الذي يعاني سكانه من انعدام الأمن الغذائي ونقص المساعدات الإنسانية. ودعت الأونروا، إلى "التعاون الدولي ووقف إطلاق النار بهدف تقديم مساعدات منقذة للحياة في ظل اقتراب المجاعة".
واستفحلت المجاعة في معظم مناطق قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي المطبق، لا سيما في محافظة الشمال إثر الإمعان في الإبادة والتجويع لإجبار المواطنين على النزوح جنوبا. وبحسب تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، يبلغ عدد سكان القطاع نحو 2.4 مليون نسمة، بينهم نحو 2 مليون نازح يعيشون في مناطق خارج مساكنهم الأصلية.
وبينما يعاني لبنان من انهيار اقتصادي منذ أكثر من أربع سنوات، جاء العدوان الإسرائيلي نهاية 2024 ليعمق الانهيار محملا الاقتصاد العليل فاتورة باهظة بفعل الدمار الذي خلفه، تاركاً اللبنانيين في حيرة من أمرهم حول كيفية تدابير نفقات إعادة الإعمار في ظل محدودية الدعم الدولي.
وفي منتصف ديسمبر/ كانون الأول قال وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام في مقابلة مع "العربي الجديد" إن التقديرات الأولية تشير إلى أن تكلفة الإعمار تتراوح بين عشرة مليارات و15 مليار دولار وفقاً للبنك الدولي، بينما تشير تقديرات الوزارة إلى ما بين 15 و20 مليار دولار، لكن قدرة الدولة على تحمل هذه الأعباء تبقى محدودة، ما يجعل الدعم الدولي أمراً حاسماً. وأشار سلام إلى أن هذا الرقم يشمل إعادة إحياء القطاعات الاقتصادية، إذ تقدر خسائر القطاعين الزراعي والسياحي وحدهما بين ثمانية وعشرة مليارات دولار، بينما الأضرار السكنية فقط تقدر بـ 3 مليارات دولار، وفق البنك الدولي، لكن مع بدء المسح الميداني من الجيش اللبناني والوزارات، تُظهر الأرقام ارتفاعاً ملحوظاً في الأضرار، بينما فقد حوالي 166 ألف شخص في لبنان وظائفهم بسبب الحرب.
ولم تقتصر الأضرار على غزة ولبنان، وإنما امتدت التداعيات إلى دول مجاورة منها الأردن، التي تأثرت كثيراً بتراجع معدلات السياحة وارتباك الحركة التجارية، إذ بلغ الدخل السياحي خلال العشرة شهور الأولى من 2024 ما قيمته 6.15 مليارات دولار بانخفاض نسبته 4.4% مقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2023. ويعود ذلك إلى تراجع أعداد السياح بنسبة 6.6%. كما سجلت قطاعات التجزئة، بما في ذلك الملابس والإلكترونيات والأثاث، انخفاضاً في المبيعات، ولاحظت الصيدليات انخفاضاً بنسبة 20% في المبيعات، مع تركيز المستهلكين على المشتريات الأساسية، وفق الجمعية الوطنية لحماية المستهلك.
كما كانت مصر من البلدان المجاورة لمناطق الصراع التي تأثرت بتبعات العدوان الإسرائيلي على غزة وبالتحديد قناة السويس، التي تعتبر مصدر دخل رئيسا للعملة الأجنبية للبلاد. وأدت الحرب إلى انخفاض كبير في عائدات القناة. وأفاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنّ التحديات والأحداث الإقليمية في البحر الأحمر كلّفت مصر ما يقرب من 7 مليارات دولار من عائدات القناة في عام 2024، مما يمثل خسارة تزيد عن 60% مقارنة بعام 2023.
كذلك، تعرضت مصر إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ أفادت وزارة التخطيط المصرية بتباطؤ الاقتصاد إلى 2.4% للسنة المالية المنتهية في 30 يونيو/حزيران الماضي، انخفاضاً من 3.8% في السنة المالية السابقة. ويعزى هذا الانخفاض إلى التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي العالمي، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. كذلك، أدى الصراع إلى تفاقم التضخم في مصر، فصندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع أسعار المستهلك إلى 33.3% في السنة المالية الحالية 2024/2025، ارتفاعاً من 24.4% في السنة المالية الماضية.
وفي سورية التي يوصف فيها 2024 بعام الخلاص بعد سقوط النظام وهروب بشار الأسد إلى روسيا، يحمل السوريون إرثاً بالغ الثقل من الدمار الواسع الذي خلفته حرب النظام على الثورة على مدار 14 عاماً. واقع محبط يلف الاقتصاد بجميع قطاعاته، رغم الآمال الواسعة في إزالة مخلفات هذا الدمار وإعادة إعمار البلاد، حيث ينظر كثيرون إلى أن 2025 بداية الانطلاقة ونفض الغبار.
وبلغ إجمالي الخسائر التي لحقت الاقتصاد السوري، نحو 530 مليار دولار، وفق "المركز السوري لبحوث السياسات"، بينما تقدره لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) بنحو 400 مليار دولار. ووفق تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات، تقدر الأضرار بقطاع البنى التحتية فقط بنحو 40% ما تسبب بخسائر تقدر 65 مليار دولار. وبحسب خبراء سوريين، بلغت خسائر قطاع الزراعة المباشرة فقط نحو 15 مليار دولار، لكنه برأيهم من القطاعات الأكثر تضرراً، نظراً لدوره بتأمين الغذاء والمنتجات وتشغيله نحو 5 ملايين سوري. وربما بتراجع إنتاج القمح، من نحو 3.5 ملايين طن إلى أقل من 1.5 مليون، وتحول سورية من بلد مصدر لنحو 1.5 مليون طن قمح قبل عام 2010 إلى بلد مستورد لأكثر من 2 مليون طن سنوياً، مؤشر مهم على واقع القطاع الزراعي.
كذلك فإن التدمير الذي لحق بالقطاع الصناعي، تجلى في تراجع الإنتاج والصادرات وأثر على مستوى العرض بالأسواق، بعد تهديم المنشآت الصناعية، خاصة في عاصمة سورية الاقتصادية حلب، لتبلغ الخسائر بالقطاع الصناعي نحو 80 مليار دولار. كما تقدر خسائر قطاع النفط بنحو 115 مليار دولار، لتعد الأكبر والأكثر تأثيراً على سورية واقتصادها. وتشير تقارير دولية إلى أن سورية بحاجة إلى أكثر من 800 مليار دولار لإعادة الإعمار.
ويرى الباحث الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح، أنه لا توجد حتى اليوم، دراسة مفصلة وشاملة وموثوقة لخسائر الاقتصاد السوري، ولكن الأرقام تتراوح بين 550 و600 مليار دولار، وتأتي خسائر الكادر البشري، الأكبر والأخطر، والتي لا يمكن ترميمها وإعادتها خلال سنة أو عشر سنوات، بل ربما تبقى سورية تعاني لعقود حتى ترمم الجانب البشري، تعليمياً وتأهيلاً أو حتى إقناع المهاجرين بالعودة. وحول رؤيته للاقتصاد السوري لعام 2025 يضيف المصبح لـ"العربي الجديد" أن العام المقبل هو "عام أمل ولكنه ليس عام جني أرباح أو تحقيق نتائج، لأن الخراب والدمار لا يمكن أن يرمم في عام".