استمع إلى الملخص
- تعتمد توقعات الحكومة لإنتاج الحبوب والنمو الاقتصادي على هطول الأمطار، مع توقعات متباينة بين الحكومة وبنك المغرب بشأن الإنتاج، مما يؤثر على الميزانية العامة.
- تدعم الحكومة المزارعين بتخفيض أسعار بذور الحبوب بنسبة 40%، لكن التحديات مستمرة، وقد يضطر المغرب لزيادة وارداته من الحبوب، مستفيدًا من انخفاض الأسعار الدولية.
ينشغل مزارعو الحبوب في المغرب بالعام الميلادي الجديد ليس للاحتفال به، وإنما بترقب السماء علّ إشاراتها تأتي ببشرى أمطار تنعش آمالهم في تجاوز الجفاف الذي عانوه في الأعوام الأخيرة.
ليس المزارعون وحدهم من يتملكهم هذا الأمر، فهو يشغل المراقبين والحكومة والسكان، الذين يدركون تداعيات انحباس الأمطار على النمو الاقتصادي والميزان التجاري والأسعار، خاصة في سياق دولي متسم بعدم اليقين.
وتأخر سقوط الأمطار في الموسم الحالي، من شأنه أن يحبط آمال الحكومة التي تبنت تقديرات متفائلة حول إنتاج الحبوب والنمو الاقتصادي في الموازنة المقبلة التي صادق عليها البرلمان هذا الشهر، حيث تتوقع بلوغ إنتاج الحبوب نحو سبعة ملايين طن ونمو اقتصادي في حدود 4.6%.
ومعدل النمو المقدر مرتفع كثيراً مقارنة بالسنتين الأخيرتين اللتين لم يتجاوز فيهما 3%، علما أن بنك المغرب المركزي يتوقع أن يصل معدل النمو في العام المقبل إلى 3.9%، مقابل 2.6% في العام الحالي، حيث يستحضر مساهمة الزراعة التي ينتظر أن تتأثر بتأخر الأمطار.
ويخفض بنك المغرب توقعات محصول الحبوب الذي تراهن عليه الحكومة عبر موازنة العام المقبل، إذ يتوقع إنتاج نحو خمسة ملايين طن، آخذاً في الاعتبار متوسط المحاصل التي تحققت في الخمسة أعوام الأخيرة. غير أنه يؤكد أن هذا الرقم يمكن أن يرتفع في الأشهر المقبلة، إذا ما أتت التساقطات المطرية منتظمة مكانياً وزمنياً، بما يفضي إلى إنعاش الزرع.
وكان الجفاف الذي ضرب المغرب في الموسم الماضي خفض إنتاج الحبوب بنسبة 43% في العام الحالي، فقد بلغ 3.11 ملايين طن، مقابل 5.5 ملايين طن في العام الماضي. وأدى ضعف الأمطار في الموسم الزراعي الماضي، إلى خفض المساحة المزروعة بالحبوب بنسبة 33%، لتستقر عند 2.5 مليون هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع)، مقابل 3.7 ملايين هكتار في الموسم الذي سبقه، وفق بيانات رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد".
ويتطلع المزارعون إلى تساقط أمطار غزيرة من أجل الإقبال على خدمة الأرض، حيث لاحظ محمد الإبراهيمي، عضو الجمعية المغربية لمكثري الحبوب، أن تأخر الأمطار منذ بداية الموسم الزراعي، لم يشجع مزارعين على الحرث والزرع.
ويوضح الإبراهيمي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الفترة المقبلة، ستكون حاسمة لتوضيح مآل إنتاج الحبوب، حيث أن أمطار يناير/ كانون الثاني المقبل تساعد على تسريع إنبات الزرع، قبل أن تساهم الأمطار في فبراير/شباط ومارس/آذار في ظهور السنابل.
ويؤكد الفاطمي بوكريزية، الكاتب العام للجمعية المغربية للتننمية الفلاحية في جهة الدار البيضاء ـ سطات، على أن الفترة الفاصلة بين الثلث الأخير من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري والثلث الأخير من يناير/ كانون الثاني المقبل، حاسمة في تحديد المسار الذي سيتخذه موسم زراعة الحبوب.
ويضيف بوكريزية لـ"العربي الجديد"، أن التساقطات المطرية المأمولة في الشهر الأول من العام الجديد مهمة للحبوب والقطاني (البقوليات)، خاصة أن فترة "الليالي" التي تمتد من الثلث الأخير من ديسمبر إلى الثلث الأخير من يناير تشهد عادة موجات برد قارس، وقد تتخللها أمطار وثلوج في المرتفعات.
وفي السياق، يشدد الإبراهيمي على أنه إذا جاءت الأمطار غزيرة في الشهر المقبل بمقياس 20 إلى 30 مليمتراً، فسيودي ذلك إلى تسريع عملية إنبات الزرع وإنعاش معنويات المزارعين الذين سيقبلون على خدمة الأرض، رغم ارتفاع التكاليف التي يتحملونها.
ووعدت الدولة المزارعين بمواصلة دعم أسعار بذور الحبوب المعتمدة بنسبة 40%. لكن يبقى بلوغ إنتاج حبوب في حدود تسعة ملايين طن بعيداً وفق مخطط الحكومة ماضياً، في ظل الارتهان للأمطار، ما يجعل المغرب مضطرا لتكثيف الاستيراد في حال تواصل تراجع المحاصيل كما في الأعوام الأخيرة. فقد بلغت واردات القمح في العشرة أشهر الأولى من العام الجاري إلى 5.24 ملايين طن، مقابل 4.9 ملايين طن في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات مكتب الصرف الحكومي.
ويتجلى أنّ مشتريات الحبوب ممثلة في القمح والشعير والذرة، التي تدخل في توفير الأعلاف، استفادت حسب بيانات مكتب الصرف، من انخفاض الأسعار في السوق الدولية، حيث تراجعت فاتورة المشتريات في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى حوالي 2.3 مليار دولار، مقابل 2.7 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.