أجبر إيقاف المساعدات الخارجية، الحكومة الانتقالية بالسودان على الإعلان صراحة عن التخلي عن أهدافها المعلنة لتحقيق النمو المستهدف في موازنة العام المالي المقبل 2022 بسبب قلة الموارد.
ورسم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني، جبريل إبراهيم، أسوأ السيناريوهات المحتملة للموازنة العامة للعام المقبل بسبب إيقاف المساعدات الخارجية بتخلي السودان عن النمو الاقتصادي والجاهزية لفترة أطول من الدعم الخارجي المحدود والتخطيط لزيادة الاعتماد على الموارد الذاتية لتمويل الموازنة، معلنا عن دراسة لرفع الدعم عن الكهرباء والقمح.
ومن جانبه، قال وزير الدولة الأسبق بوزارة المالية، عزالدين إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إن رفع الدعم عن الكهرباء والقمح في الموازنة المقبلة يؤدي للمزيد من الضغط على المواطنين ويفاقم الأعباء المعيشية لتسببها في زيادة أسعار الخبز ويؤثر على الإنتاج الزراعي والصناعي بشكل عام.
وأشار إلى خطأ الاعتماد الحكومي على الموارد الخارجية في تمويل الموازنة المقبلة (نصف إيراداتها تقريبا)، ما قد يضطر وزارة المالية لتعديل بنودها خلال الأشهر الأولى من بدء تنفيذها واللجوء الى الاستدانة من النظام المصرفي لتغطية العجز الكبير المتوقع، وإرجاء تنفيذ مشروعات التنمية المخطط لها لشح الموارد في الخزينة العامة.
وقال وزير الدولة الأسبق بوزارة المالية إن الاضطرابات الداخلية تسهم كذلك في تعطيل الإنتاج وتراجع الاستثمارات الوطنية وإحجام الأجنبية عن الدخول للبلاد، بجانب تأثيرات انعدام الأمن الغذائي وتعرض 14 مليون سوداني لخطر المجاعة ما يجعل وزارة المالية وموازنتها المقبلة في موقف حرج بسبب مشكلة عجز الإيرادات.
وكان وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، قال في وقت سابق، إن الولايات المتحدة الأميركية قطعت 700 مليون دولار من المساعدات الطارئة للسودان بينما لم تصل 500 مليون دولار من الدعم المباشر للميزانية الذي كان متوقعا وصوله أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي من وكالات التنمية وليس لدينا ضمانات حتى اللحظة في دعمهم للمرحلة الانتقالية في السودان.
وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي، عبد الله الرمادي، لـ"العربي الجديد" إن الضغوط التي تمارس على السودان وإيقاف المساعدات الخارجية عنه حتى من الدول الشقيقة والصديقة تتم بإيعاز أميركي بهدف خنق الاقتصاد، ما يضطر وزارة المالية إلى إعلان اعتمادها على الذات في تمويل الموازنة وتخفيف الدعم عن القمح والكهرباء.
وأشار الرمادي إلى توقعات الحكومة الانتقالية بأن تنهال المساعدات والدعم الخارجي غير أنها اصطدمت بالوعود فقط كما حدث في المؤتمرات السابقة للمانحين، من ضمنها إخلال أميركا بوعودها لدعم الموازنة بقصد الزج بالسودان في دائرة الانهيار الاقتصادي.
وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية في العام المنصرم 2020 عن تبرعها بمبلغ 81 مليون دولار في إطار المساعدات الإنسانية للسودان لتوفير الحماية الضرورية والخدمات والاحتياجات الغذائية العاجلة، ومساعدات أخرى بقيمة 700 مليون دولار، غير أنها تراجعت عقب الانقلاب الأخير بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لترهن تقديمها بحاجة الحكومة الانتقالية لإحراز المزيد من التقدم قبل أن تستأنف واشنطن صرف المساعدات المعلقة.
وتوقع الرمادي أن تؤدي الإجراءات المرتقبة للمزيد من معاناة الشعب السوداني والدخول في مرحلة الكساد والركود الاقتصادي وإبطاء مسيرته وتراجع معدلات نمو الناتج الإجمالي لتدني الإنتاج الذي يعاني منه السودان بشكل كبير حيث تجاوز عدد المصانع المغلقة 80% وزيادة خط فقر العمالة بها وتضاؤل الإيرادات الحكومية من الجمارك والضرائب المباشرة وأرباح الأعمال.
وأشار إلى توقف استيراد مدخلات الإنتاج وارتفاع معدل التضخم الذي قفز من 70% منذ تسلم الحكومة الانتقالية لمهام الحكم في البلاد إلى نحو 450% قبل أن تنخفض إلى نحو 300% خلال الفترة الأخيرة، وسط تهاوي العملة في السوق السوداء.
وحذر عدد من أصحاب المصانع ورجال الأعمال الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" من خطورة رفع الدعم عن الكهرباء في هذا التوقيت والذي يؤدي للإضرار بالإنتاج وارتفاع التكلفة، مشيرين لمعاناة القطاع الصناعي بشكل عام من تعدد الجبايات والرسوم الحكومية والتي تجاوزت 46 رسماً، ما أدى إلى زيادة عدد المصانع المتوقفة عن العمل. وأضاف: "ستؤدي زيادة رسوم الكهرباء عقب التحرير لخروج المصانع المتبقية وانهيار الإنتاج بشكل كامل".
وقال المحلل الاقتصادي، هيثم فتحي لـ"العربي الجديد" إنّ رفع الدعم عن السلع بما فيها القمح والكهرباء برنامج تم الاتفاق عليه بين الحكومة الانتقالية وصندوق النقد الدولي، وبالتالي من الطبيعي الإعلان عن رفع الدعم عن القمح والدقيق والكهرباء والخدمات الأخرى خلال الموازنة المقبلة.
أما الحديث عن إيقاف الدعم الاقتصادي الخارجي فقد تم بسبب أحداث 25 أكتوبر/ تشرين الأول، لكن هناك اتصالات وجهود لمواصلة دعم المنظمات للسودان ونتوقع عودتها قريباً. ولم يستبعد فتحي التأثيرات السالبة لجائحة كورونا على اقتصادات الدول المانحة للسودان والتي تدفعها للإخلال بوعودها له. وأعرب عن أمله في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والإداري بالسودان لجذب الاستثمارات الأجنبية لرفد الخزينة العامة بمزيد من الإيرادات.