حتى الآن، استفادت الولايات المتحدة وأوروبا من دروس الأزمة المالية العالمية القاسية التي اندلعت في 2008، فعقب نشوب أزمة إفلاس بنك سيليكون فالي الأميركي، سارعت واشنطن وغيرها من العواصم العالمية لإطفاء نار كان من الممكن أن تستعر في الأسواق الدولية، وتسفر عن حدوث انهيارات جديدة في البورصات والشركات وإفلاسات في القطاع المصرفي الأميركي والأوروبي، ونشوب حالة ذعر بين المودعين وتدافعهم نحو سحب أموالهم من البنوك، وهو السبب الرئيسي وراء إفلاس بنك سيليكون فالي، حيث سحب المودعون 42 مليار دولار في يوم واحد.
في البداية، دعت الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة عدة بنوك، منها البنك الكندي "آر بي سي" والأميركي "بي إن سي"، لشراء البنك المفلس، لكن البنوك تجاهلت العرض، وامتد التجاهل إلى البنوك الخمسة الكبرى في أميركا، ومنها جي بي مورغان وبنك أوف أميركا.
بعثت السلطات النقدية في الولايات المتحدة برسائل طمأنة حول سلامة القطاع المصرفي والأموال بداخله، وتحركت لضمان جميع الودائع المحتجزة لدى سيليكون فالي
بعدها، شعرت السلطات الأميركية بالخطر وبوادر اشتعال النيران في القطاع المالي، خاصة مع حدوث قلق شديد بين مودعي كل البنوك وليس سيليكون فالي فقط، بل واندفاع بعضهم نحو سحب أموالهم من البنوك، وبالتالي احتمال تكرار ما حدث في عام 2008، وانهيار مصارف عملاقة، كما حدث مع ليمان براذرز.
كانت الودائع أولى النيران التي يجب أن تطفأ، هنا بعثت السلطات النقدية في الولايات المتحدة برسائل طمأنة حول سلامة القطاع المصرفي والأموال التي بداخله، وتحركت لضمان جميع الودائع المحتجزة لدى بنك سيليكون فالي المنهار، ضمن إجراءات طارئة تهدف إلى منع انهيار بنوك أخرى وحدوث أزمة أوسع في القطاع المصرفي.
بل خرجت أبرز 3 جهات مالية، هي وزارة الخزانة ومجلس الاحتياط الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، بإصدار بيان أكدت فيه أنه يمكن للمودعين استرداد جميع أموالهم بدءا من يوم الاثنين، وأنها ستعيد جميع الودائع المحتفظ بها لدى البنك، وليس فقط المبالغ التي يتم ضمانها والبالغة قيمتها 250 ألف دولار فقط بموجب قانون الولايات المتحدة.
كما بعث مجلس الاحتياط الفيدرالي برسائل طمأنة إلى البنوك نفسها، عبر الإعلان عن إتاحة قروض طارئة بقيمة تصل إلى 25 مليار دولار، لتأكيد أن لديها القدرة على تلبية احتياجات جميع المودعين، وأن هذه القروض تصل مدتها إلى عام واحد للبنوك التي لديها سندات خزانة أميركية وسندات الرهن العقاري والأصول المؤهلة الأخرى.
ولمزيد من الطمأنة، أعلنت السلطات الأميركية أنه سيجري تعويض المودعين في بنك "سيغنتشر" المنهار أيضا، والذي أغلقته الجهات التنظيمية المالية في ولاية نيويورك يوم الأحد، وأن دافعي الضرائب لن يتحملوا أي خسائر.
لمزيد من الطمأنة، أعلنت السلطات الأميركية أنه سيجري تعويض المودعين "سيغنتشر" المنهار والذي أغلقته نيويورك، وأن دافعي الضرائب لن يتحملوا أي خسائر
لم يُكتفَ بهذه الخطوات، بل صدرت تصريحات مهمة من أعلى مسؤول في الدولة، وهو الرئيس جو بايدن، يؤكد فيها ضمان أموال المودعين، وخاطب المدخرين قائلا: "أموالكم محفوظة". ووعد بمحاسبة المسؤولين عن أزمة البنك المنهار.
صدرت إشارات إيجابية أخرى باحتمال تخلي البنك الفيدرالي عن سياسته العدائية المتعلقة بالتشدد النقدي، وإبطاء وتيرة رفع سعر الفائدة التي من المتوقع أن تتسبب في حدوث أزمات كبيرة للقطاع المصرفي الأميركي، وهذه الخطوة من المتوقع أن تخفف فزع البنوك التي تخشى من وصول الفائدة إلى معدلات قياسية، وبالتالي، تجفيف السيولة لديها وتكبدها خسائر فادحة في حال بيع السندات التي بحوزتها أو تدافع المودعين نحو سحب الودائع.
صاحب ذلك، على الجانب الآخر من الأطلسي، إبرام صفقة استحواذ على البنك المنهار، حيث اشترت مجموعة "إتش إس بي سي" هولدنغ (HSBC) بنك وادي السيليكون (SVB) فرع المملكة المتحدة، مقابل جنيه إسترليني واحد. كما حصلت وحدة SVB في المملكة المتحدة على قروض تبلغ نحو 5.5 مليارات جنيه إسترليني (6.7 مليارات دولار) وودائع بنحو 6.7 مليارات جنيه إسترليني اعتباراً من 10 مارس/آذار، وهو ما يزيد قدرتها على تلبية احتياجات المودعين.
وتدخل البنك المركزي البريطاني على خط أزمة سيليكون فالي حيث أكد بنك إنكلترا أن أموال جميع المودعين لدى SVB UK آمنة ومأمونة نتيجة لهذه الصفقة، وأن جميع خدمات البنك ستستمر في العمل كالمعتاد.
العالم يسابق الزمن للحيلولة دون وقوع أزمة مالية جديدة، أزمة قد تأكل الأخضر واليابس، سواء داخل الأسواق القوية أو الناشئة، خاصة في ظل اقتصاد دولي مأزوم بسبب التضخم وحرب أوكرانيا وقبلهما كورونا.