داخل إحدى السلاسل التجارية الشهيرة في محافظة الإسكندرية شمال مصر، تقف إيمان عبد المنعم، حائرة لشراء زجاجة مياه غازية رغم وجود قائمة من العلامات الشهيرة كانت تحرص على اقتنائها من قبل، ورغم ذلك رفضت مجرد الاقتراب منها، تضامناً مع قطاع غزة الذي يتعرض لاعتداءات ومجازر يومية على يد الاحتلال الإسرائيلي.
حيرة إيمان، وهي ربة منزل، انتهت ولم تدم طويلاً، بعد أن اقترب منها أحد البائعين وقسمات الابتسامة على وجهه، مؤكداً وجود أكثر من بديل تستطيع الاختيار منها للابتعاد عن المنتجات "المقاطعة" والاعتماد على المنتج المحلي ذي الجودة العالية.
إيمان ليست وحدها التي قررت تغيير نمط الاستهلاك وقررت الانضمام إلى حملات المقاطعة التي تصاعدت في عموم مصر خلال الأيام الماضية وانتقلت من منصات التواصل الاجتماعي إلى أكبر المحال والسلاسل التجارية ووصلت إلى محال البقالة الصغيرة في مختلف المناطق.
وتشهد الأسواق والمحلات بصفة مستمرة تجدد الطلب على شراء المنتجات المحلية المصرية، ويبحث الكثيرون عن بدائل لمنتجات، بشكل واسع، بعد أن عززت الدعوات الشعبية والنقابية المتصاعدة المطالبات بوقف شراء العديد من منتجات الشركات العالمية، سواء التي أعلنت الدعم المباشر للاحتلال أو التابعة لدول تقف في صف إسرائيل.
ونشر متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي بدائل محلية للكثير من المنتجات منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كذلك تصدر وسم (هاشتاغ) صنع في مصر ـ ادعم المنتج المصري ـ ادعم الصناعة المصرية، إلى جانب وسوم التوعية والمقاطعة المختلفة، قوائم الأكثر تداولاً والأوسع انتشاراً في العالم الافتراضي في مصر.
تقول إيمان لـ"العربي الجديد" إنها، تحديداً منذ بداية العدوان على غزة، تقوم بكتابة كل احتياجاتها وبجوار كل منها العلامات التجارية الواردة في قوائم المقاطعة خشية الخلط أو الخطأ في شرائها، مؤكدة: "أدقق جيّداً في الاختيار وأبحث عن المنتجات مصرية الصنع، حتى لا أكون مشاركة في قتل أهلنا في فلسطين".
وتتفق معها هبة محمود (مدرسة) قائلة إنها حالياً تحرص على شراء المنتجات المحلية والبديلة وستستمر في مقاطعة منتجات الشركات الأجنبية، خاصة بعد إعلان بعض منها دعم إسرائيل في حربها ضد قطاع غزة. وأشارت إلى أن المقاطعة أمر واجب لدعم أهلنا في غزة، وكذلك لدعم الاقتصاد الوطني، مشددة على أن المقاطعة نوع من الاحتجاج على ما يرتكبه الاحتلال وداعموه من مجازر ضد أهالي غزة.
ويرى محمود فاروق، وهو يملك محلاً لبيع المواد الغذائية في وسط الإسكندرية، أن المقاطعة الراهنة تسببت في ارتفاع الطلب على المنتجات المحلية بشكل واضح، لافتاً إلى أن الاهتمام الأول للكثير من المواطنين خلال الفترة الحالية هو الابتعاد عن السلع والمنتجات التي تدعم إسرائيل والتي تندرج في قائمة المقاطعة، مشيراً إلى أن معظم تلك المنتجات لها بدائل محلية في السوق المحلية.
ورصد فاروق تزايد رقعة واستجابة المواطنين لدعوات المقاطعة يوماً بعد يوم، والتي حالياً تشمل الأغذية والمشروبات ومستحضرات التجميل، لافتاً إلى أن أبرز ما جرى مقاطعته هو المياه الغازية بمختلف أنواعها وبعض أنواع القهوة، وأدوات النظافة.
في الأثناء حققت العديد من الشركات المصرية مبيعات قياسية مثل "سبيرو سباتس" للمياه الغازية و"مصر كافيه" وهي قهوة سريعة التحضير، وبعض العلامات التجارية المحلية الأخرى خلال الأيام الأخيرة بسبب حملات المقاطعة التي تزداد رقعتها مع اشتداد العدوان على غزة.
وقال يوسف طلعت، رئيس مجلس إدارة شركة "سبيرو سباتس" في تصريحات صحافية أخيراً، إن المبيعات ارتفعت بنسبة 300% في الحد الأدنى منذ بداية الاتجاه للمنتج. وأشار إلى أن الشركة كثفت من حركة الإنتاج والتشغيل لتعمل على مدار الساعة لتلبية كافة احتياجات السوق المحلية، بعد زيادة الطلب عليها بشكل كبير، مضيفاً أنه سيتم طرح منتجات جديدة بالإضافة إلى التعاقد مع عدد كبير من المطاعم الكبرى والسلاسل التجارية لإتاحة المنتج من خلالها.
وهو ما يتطابق مع تصريحات هيثم أبو لبن مدير المبيعات في شركة "مصر كافيه"، الذي أكد أن منتجات الشركة زاد الطلب عليها بشكل ملحوظ منذ بداية الحرب على غزة، وإن مبيعات الشركة ارتفعت بنسبة 30% في الفترة الأخيرة.
في المقابل يقول علاء حسب، عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للصناعات، إن سلاح المقاطعة مهم وفرصة لزيادة تنافسية السلع المحلية والحالة الاقتصادية للدولة معاً، ولكي يستمر ذلك يتطلب الأمر وعياً وتضامناً من الجميع، سواء المستهلك أو أصحاب الشركات، فضلاً عن طرح منتجات بديلة بجودة عالية وأسعار مناسبة.
وأكد ضرورة الاستفادة مما وصفه بالهبة الشعبية والتضامن الواسع مع العلامات المحلية في دعم وتشجيع المنتجين لدعم ورفع قيمة المنتج المصري حتى يتمكن من المنافسة والاستمرار، وهو ما سيساهم أيضاً في تخفيف الضغط على العملة الأجنبية.
وترى الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم أن دعوات المقاطعة التي يقوم بها المصريون للمنتجات الأجنبية واستبدالها بالمحلية هي خطوات وضغوط إيجابية للتعبير عن التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية ورسالة للدول الداعمة للاحتلال مفادها أن اقتصادكم في خطر نتيجة دعمكم وتعاونكم مع إسرائيل.
وأشارت إلى "ضرورة تضامن الجميع والإصرار على الاستمرار في المقاطعة وعدم الاستهانة بالجهود المبذولة بحجة عدم جدواها، بعد أن ساهمت في رفع الوعي لدى المواطنين، وستكون لها انعكاسات إيجابية جداً على تغيير أنماط الاستهلاك وهو ما ستقابله زيادة الإنتاج للمنتجات المحلية وخلق فرص عمل، وهو ما ينعكس بشكل ملحوظ على الاقتصاد المصري".
وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري، يوم الأربعاء الماضي، أن الدين الخارجي للدولة بلغ 164.7 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران الماضي. وكان الدين الخارجي لا يتجاوز 46 مليار دولار، قبل تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم رسمياً، في يونيو/ حزيران من عام 2014. وسجل الدولار قفزات لافتة في الأيام الماضية، بعدما وصل إلى نحو 46 جنيهاً في السوق الموازية (السوداء)، الأسبوع الماضي، بينما يتحدد سعره رسمياً بنحو 30.95 جنيهاً.