رغم وعود الرئيس الأميركي جو بايدن بأن يكون رئيساً لكل الأميركيين وأن يقضي على الانقسام السياسي الذي طغى على البلاد بعد سنوات حكم دونالد ترامب، ما زال العناد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي يسيطر على العاصمة واشنطن ويعطل اتخاذ القرار في العديد من القضايا الحيوية.
وبعد مفاوضات مكوكية استمرت شهوراً بشأن المبلغ الذي يمكن تخصيصه لخطط تجديد البنية التحتية وشبكات الإنترنت فائق السرعة التي وضعها بايدن، اتحد كل أعضاء الحزب الجمهوري الخمسين لرفض مبلغ يقرب من 1.2 تريليون دولار في تصويت مجلس الشيوخ، ليضطر بعدها تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية بالحزب، لتغيير صوته من نعم إلى لا لتتسنى له الدعوة لتصويت جديد.
ويحتاج الديمقراطيون لموافقة 60 عضواً من أعضاء المجلس المائة لإقرار المبلغ الذي اقترحوه، وهو ما يعني احتياجهم لإقناع عشرة أعضاء من الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى موافقة كل أعضاء الحزب الديمقراطي، وهو ما لا يبدو قريباً حتى هذه اللحظة.
ورغم إعلان الحزب الجمهوري، على لسان أكبر أعضائه في الكونغرس السيناتور ميتش ماكونيل، في أكثر من مناسبة، عن رفضه لمشروع القانون المقدم من الحزب الديمقراطي، إلا أن المشاورات السابقة أظهرت وجود نية للتفاهم حول المشروع المهم لكل الأميركيين.
وقال السيناتور الجمهوري روب بورتمان "ما زلنا غير مستعدين لإقرار القانون"، بينما أصر شومر على التصويت عليه رغم مطالبات أعضاء الحزب الجمهوري بتأجيله للأسبوع القادم.
وبعد التصويت الفاشل في مجلس الشيوخ، أصدرت لجنة مكونة من 22 عضواً من الحزبين بياناً أكدت فيه استمرار العمل من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي، وأعربت عن تفاؤلها بقرب تحقيق ذلك.
وستشمل خطة الحزبين إنفاقا ضخما على العديد من مشروعات البنية التحتية، وعلى رأسها الجسور والأنفاق، بكلفة إضافية تقترب من 580 مليار دولار فوق مخصصات الكونغرس المعتمدة، وتبلغ كلفتها الإجمالية على مدار السنوات الثماني القادمة نحو 1.2 تريليون دولار، وستشمل أيضاً الإنفاق على العديد من القضايا التي كانت ضمن برنامج بايدن الانتخابي، مثل الرعاية الصحية والتغير المناخي.
ولا يتوقع أن يقف العناد بين الحزبين على الخطة، حيث ما زالت هناك العديد من القوانين التي ستطرح على الكونغرس المنقسم خلال الشهور القادمة، ومنها ما يخص رغبة بايدن في زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء، وأيضاً الحد الأدنى للضريبة على الشركات، الذي اقترحته جانيت يالين، وزيرة الخزانة، على نظرائها الأوروبيين، ولا يتوقع أن يوافق الجمهوريون على أي من القانونين بسهولة.
ولم يقتصر العناد بين الحزبين أيضا على مخصصات الإنفاق داخل الكونغرس، حيث امتد ليشمل بعض القضايا السياسية الأخرى التي كان آخرها تشكيل اللجنة التي ستقوم بالتحقيق في أحداث 6 يناير/ كانون الثاني الماضي، حين اقتحم المئات من المتظاهرين من مؤيدي الحزب الجمهوري مبنى الكونغرس رفضاً لما تم إعلانه من فوز بايدن في انتخابات الرئاسة.
وانهارت، يوم الأربعاء، خطة الحزبين لتشكيل لجنة تشمل أعضاء من الجانبين بعدما رفضت نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية بمجلس النواب، عضوين من خمسة أعضاء رشحهم كيفين ماكارثي، زعيم الأقلية الجمهورية، ليُفتح الطريق أمام تشكيل لجنتين منفصلتين، تتبع كل واحدة منهما حزباً، الأمر الذي يضعف كثيراً من قيمة أي نتائج تسفر عنها التحقيقات لدى أي منهما.
ورفضت بيلوسي، التي يسمح لها مركزها كمتحدث باسم مجلس النواب برفض أي عضو في اللجنة، العضوين جيم جوردان من ولاية أوهايو، وجيم بانكس من ولاية إنديانا، بعدما دعما ادعاءات ترامب بعدم صحة نتائج الانتخابات التي فاز بها بايدن، وصوتا قبل ذلك ضد عزل ترامب.
وقالت بيلوسي إنه "بالإشارة إلى ما نأمله من نزاهة التحقيقات وإصرار على الوصول إلى الحقيقة، ونظراً لعدم ارتياحنا لبعض التصرفات والتصريحات الصادرة من النائبين، يتعين علي رفض مشاركتهما في اللجنة المختارة"، مؤكدة أن الطبيعة الاستثنائية للأحداث التي سيتم التحقيق فيها تتطلب اتخاذ هذا القرار غير المسبوق.
ولم يتردد مكارثي كثيراً بعد قرار بيلوسي، حيث أعلن سحب الأعضاء الخمسة الذين رشحهم من اللجنة، معلناً نية حزبه تكوين لجنة خاصة به للتحقيق في الأحداث، لتبقى ليز تشيني، العضو الجمهوري شديدة العداء لترامب، وحيدة من الجمهوريين في لجنة بيلوسي.
وقال مكارثي في مؤتمر صحافي: "لا يستحق الأميركيون السياسة، ولا يستحقون تدمير المؤسسة التشريعية في البلاد"، مؤكداً أنه لن تتم إتاحة الفرصة لأي لجنة في الكونغرس للعمل طالما بقي الأمر في يد شخص واحد لاختيار من يقومون به.
ويأتي الموقف المتشدد من ممثلي الحزب الجمهوري على الرغم من تقديم الحزب الديمقراطي العديد من التنازلات خلال الشهور الماضية، حيث وافق حزب بايدن على اقتسام فريق المحققين في اللجنة بين الحزبين بالتساوي، وعلى أن يتم اختيار من يتم استدعاؤه للشهادة بالاتفاق بين أعضاء الحزبين، وأن يتم حذف أي إشارات لـ"العنف والتطرف الداخلي" و"تفوق العنصر الأبيض".
وقالت جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن الإدارة الأميركية تدعم قرار بيلوسي، معربة عن إحباطها من رفض قادة الحزب الجمهوري الاشتراك في لجنة تهدف لكشف حقائق ما حدث في "يوم مظلم للديمقراطية الأميركية"، في إشارة إلى نية الإدارة تشكيل اللجنة من أعضاء الحزب الديمقراطي وحدهم.
وقال مكارثي للصحافيين إن السبيل الوحيد لعودة أعضاء الحزب الجمهوري إلى اللجنة هو قبول العضوين المرفوضين، مؤكداً أن "أحادية اتخاذ القرار من جانب نانسي ستمثل طعنة في نزاهة مجلس النواب".