يودّع اللبنانيون عام 2021 بنظرة تشاؤمية قلقة من سنة جديدة تكون محفوفة بالمخاطر المعيشية والغلاء، في ظل استمرار الصراع السياسي والتقاعس في تنفيذ السياسات الإصلاحية وتجاهل المسؤولين لكل التحذيرات الدولية، منها التي خرجت عن البنك الدولي في الأول من يونيو/حزيران الماضي بأن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان من المرجح أن تصنف إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
يقول "العم يونس" الذي التقته "العربي الجديد" في أحد شوارع جونيه شمال بيروت، "نظرتي إلى 2022؟ أسوأ من 2021 و2020 وكل السنين الماضية، عمري 80 سنة، عايشت أحداث لبنان بمرّها وحلوها القليل، بحربها وسلمها، دمارها ونهضتها ولم تمرّ عليّ سنة كـ2021، أنا اليوم جائع، ومريض، هل يعقل أن لا دواء في الصيدليات؟ المستشفيات باتت فنادق للأغنياء فقط؟".
ويواجه لبنان المتخلف عن سداد ديونه الخارجية منذ أواخر عام 2019 أسوأ ازمة اقتصادية ومالية ونقدية، فاقمتها جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت عام 2020 وتدهور قيمة العملة الوطنية بأكثر من 90%.
وتفاقمت الأزمة المالية عام 2021 وانعكست بشكل خطير على مختلف السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية والبضائع والخدمات، مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، متخطياً للمرة الأولى في تاريخ البلاد عتبة 28 ألف ليرة، لتشهد الأسعار مساراً تصاعدياً مع فوضى بالأسواق في ظل غياب الرقابة وجشع التجار.
وكذلك بلغت أزمة المحروقات في لبنان عام 2021 ذروتها، وترجمت في طوابير مرهقة أمام محطات المحروقات تخللتها حوداث عدة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في مناطق مختلفة من البلاد، كما فتحت الأزمة الباب واسعاً أمام تجار السوق السوداء الذين حققوا أرباحاً خيالية من جراء انقطاع المازوت والغاز والبنزين، قبل أن تتدخل السلطات اللبنانية، وتقرر رفع الدعم عن الغاز والمازوت وترشيده على صعيد البنزين كحل لديها للأزمة من دون أن تطرح أي بديل للمواطنين، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المحروقات، بحيث بات يتطلب تأمين كل مادة في الشهر وحدها حوالي المليون ليرة، تبعاً للاستهلاك الذي خفّ كثيراً نظراً لانعدام القدرة الشرائية.
كما انعكست الأزمة المالية والاقتصادية على قطاع التعليم الذي بات بدوره للميسورين فقط، وضربت كذلك غالبية القطاعات والخدمات، بما فيها الاتصالات والإنترنت التي باتت مهددة بشكل جدي بالانقطاع أو الغلاء، كما يستمر تفاقم أزمة الكهرباء التي بلغت ذروتها في 2021، وخصوصاً في فترة الصيف، حيث غطت العتمة لبنان، ولا سيما مع اعتماد أصحاب المولدات الخاصة التقنين ورفعوا أسعارهم إلى ما يزيد مليون ليرة لكل 5 أمبير.
كما أن الانقطاع ضرب الشركات، فأقفل بعضها مؤقتاً، وسارعت إلى البحث عن بدائل، وكذلك المتاجر التي خسرت الكثير من بضائعها التي تحتاج إلى التبريد فتلفتها، وأيضاً مختلف المؤسسات السياحية التي بحثت عن بدائل للاستمرار، حتى أن بعض المطاعم فرضت على فاتورتها "بدل مازوت" لتأمينه وسط الغلاء لمولدات خاصة بها بهدف تشغيل الكهرباء، مع الإشارة إلى أنه في هذه الفترة زادت حالات التسمم نتيجة انقطاع الكهرباء عن البرادات.
كذلك أدت الأزمة إلى ارتفاع كبير في أعداد المهاجرين والمسافرين بحثاً عن فرصة عمل أو عن خدمات أساسية أصبحت شبه معدومة في لبنان من كهرباء ومياه وصحة ونظافة.
ويرى نجيب الذي يعمل محاسباً في إحدى الشركات الخاصة في بيروت مثل الكثيرين أن الأمل الوحيد المتبقي لديه هو الهجرة إلى كندا، حيث يعمل صديقه الذي ترك لبنان منذ 4 أشهر نتيجة الأزمة الاقتصادية ووعده بالعمل على أوراقه، أو إيجاد وظيفة في دبي بعدما أرسل سيرته الذاتية إلى عدد من الشركات.
كما يشهد لبنان ارتفاعاً متواصلاً بجرائم السرقة، وقد تكون الأزمة الاقتصادية والمعيشية وزيادة نسبة البطالة من أبرز أسبابها بحسب "الدولية للمعلومات".
عام سقوط الريال اليمني
وفي اليمن، عاشت الأسر أسوأ عام لها منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو سبع سنوات، مع سقوط الريال إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما شكل صدمات معيشية واسعة.
واضطرت كثير من الأسر إلى التوقف عن تعليم أبنائها، والدفع بهم إلى سوق العمل لإعالتها ومساعدتها على مواجهة متطلبات الأعباء المعيشية التي أصبحت صعبة للغاية.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد زاد الطلب بصورة قياسية طوال العام 2021، على السلع الغذائية والوقود والمساكن والخدمات العامة الشحيحة المتوفرة من كهرباء ومياه وغيرها، مع عودة عشرات آلاف الأسر من دول الاغتراب، خصوصاً من السعودية بسبب تسريحات واسعة على إثر تداعيات كورونا.
ويقول الخبير المتخصص في علم الاجتماع الاقتصادي ياسر الواحدي لـ"العربي الجديد"، إن انعدام الدخل وبروز فوارق اجتماعية خطيرة أدى إلى ظهور حالات كثيرة من التسول وعمالة الأطفال التي غدت معضلة كبيرة يعاني منها سوق العمل في اليمن الذي تجتاحه اختلالات وتشوهات انعكاساً للأزمات الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة.
مشاهد غير مسبوقة في سورية
ومن العاصمة السورية دمشق، خرجت صورتان، الأولى منتصف عام 2021 والثانية نهايته، فيهما التعبير الأبلغ ربما، عن حال السوريين. الصورة الأولى: تخلّى رجل عن طفلتيه الصغيرتين في مستشفى المواساة بالعاصمة دمشق، مع رسالةٍ يقول فيها إنّهما بحاجة إلى ماء وطعام، وإنّهما لم تتناولا شيئا منذ أيام.
وأما الثانية التي انتشرت قبل أيام، لرجل خمسيني من غوطة دمشق، عبر تسجيل مصوّر يشرح خلاله وهو يبكي، تكاليف وجبة الطعام الواحدة بنحو 4 آلاف ليرة، وكيف وصل سعر رغيف الخبز إلى ألف ليرة وحفنة الشاي أو البيضة الواحدة إلى 500 ليرة، وإلى جانبه موقد نار يشبه طرائق العصر الحجري، وكيف يمزق الألبسة ويلملم بقايا الأحذية والأخشاب من الشوارع ليوقد النار، للطبخ والتدفئة، قبل أن يختم بالدعاء على نفسه بالموت، لأنه يعيش الذل والعجز عن إطعام ولده وزوجته.
هكذا مر 2021 لكنه ما يزال يترك الباب وراءه مفتوحا لأعوام قادمة من الخوف، وعدم اليقين في انفراجة تعيد للشعوب أمل الحياة.