ما أشبه الليلة بالبارحة، أسواق المال العالمية تشهد حاليا بوادر أزمة مالية قد تشبه تلك التي وقعت قبل نحو 15 سنة.
حينها، في العام 2008 اندلعت أزمة مالية هي الأعنف منذ الكساد العظيم في العام 1929، أزمة أطاحت مؤسسات أميركية وأوروبية كبرى منها العملاق المصرفي ليمان برازرز وبنوك نورذرن روك، وبير ستيرنز، وأتش بي أو أس، وواكوفيا، وأدت إلى إغلاق بنك واشنطن ميوتشوال للادخار.
كما انهارت في ذلك الوقت أكبر مجموعة تأمين في العالم هي أي آي جي، والمجموعتان العملاقتان في مجال تسليفات الرهن العقاري، فريدي ماك وفاني ماي.
وتبع ذلك انهيارات في القطاع المصرفي والمالي العالمي وأسواق المال والبورصات وخسائر تقدر بتريليونات الدولارات، وشكلت الأزمة كابوسا للمستثمرين الدوليين حول العالم، وقبلهم للبنوك المركزية وهيئات الرقابة المالية ومؤسسات وصناديق ضمان الودائع.
انهار بنك سيليكون فالي بعدما قام المودعون بسحب نحو 42 مليار دولار دفعة واحدة في يوم واحد هو الخميس
وفي 10 مارس/آذار 2023 انهار بنك سيليكون فالي الأميركي، أو وادي السيليكون، بعدما قام المودعون بسحب نحو 42 مليار دولار دفعة واحدة يوم الخميس الماضي.
وقبلها تكبد البنك خسائر فادحة بلغت نحو 15 مليار دولار تمثل تراجع قيمة السندات التي بحوزته، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسة في السقوط المدوي للبنك.
هز الإفلاس المفاجئ لبنك سيليكون فالي، القطاع المصرفي الأميركي الذي خسرت القيمة السوقية لأسهمه أكثر من 100 مليار دولار خلال 48 ساعة فقط، كما خسرت البنوك الأوروبية 50 مليار دولار أخرى في قيمة أسهمها، وامتدت الخسائر إلى بريطانيا والصين وألمانيا وغيرها من الدول.
وكأحجار الدومينو بدأت أسواق العالم التأثر سريعا بأزمة أكبر إفلاس مصرفي في الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية عام 2008، خاصة مع الوزن النسبي لبنك سيليكون المنهار الذي يصنف على أنه المصرف الأميركي السادس عشر من حيث حجم الأصول والتي تجاوزت 209 مليارات دولار في نهاية 2022، مع حجم ودائع قيمتها 175.4 مليار دولار، إضافة إلى قوة البنك داخل قطاع التكنولوجيا الأميركي وتأثيره على شركات التقنية حول العالم.
ربما يخلق الإفلاس الجديد أزمة كبرى في صناعة التمويل والمصارف الأميركية، خاصة وأن مبررات إفلاس بنك سيليكون لا تزال قائمة
ما زاد من فداحة المشهد هو إعلان الشركة الأم لمصرف "سيلفرغيت" العاملة في العملات المشفرة، يوم الأربعاء الماضي، أنه ستجرى تصفية المؤسسة، وهو ما أعطى انطباعا لدى الكثيرين بأن الأسواق الأميركية مقبلة على حالات إفلاس وانهيارات حادة، قد تتطور لاحقا لأزمة اقتصادية ومالية شاملة خاصة مع الرسائل الخطيرة التي بعث بها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، منتصف الأسبوع الماضي وتتعلق بزيادة سعر الفائدة على الدولار بدرجة أكبر مع استمرار ارتفاع معدل التضخم وصعوبة تراجعه إلى الرقم المستهدف وهو 2% في الوقت القريب.
الأسواق باتت حساسة جدا تجاه أي إفلاس أو انهيار مالي حتى لو كان صغيرا، فما بالنا بمصرف في حجم وقوة بنك سيليكون.
وما لم تتحرك الحكومات الغربية ومعها البنوك المركزية بسرعة لمعالجة ملف سيليكون فالي، فإن الأزمة قد تتدحرج نحو الأسوأ وتتسع رقعتها لتربك العالم كله وليس فقط أسواق المال في "وول ستريت" والبنوك الأميركية.
وربما يخلق الإفلاس الجديد أزمة كبرى في صناعة التمويل والمصارف الأميركية، خاصة وأن مبررات إفلاس بنك سيليكون لا تزال قائمة وتتمثل في مواصلة الاحتياطي الفيدرالي سياسة التشديد النقدي ورفع سعر الفائدة على الدولار، وهو ما يرهق البنوك وعملاءها المقترضين من الشركات وغيرها، ويدفعها نحو التخلص من أصولها المالية واستثماراتها في سندات الخزانة حتى ولو بالخسارة لتغطية احتياجات المودعين، وهنا تكمن الخطورة.
السؤال هنا إذا كان هذا هو حال البنوك الأميركية في ظل قفزات سعر الفائدة على الدولار، فماذا عن حال الأسواق والبنوك في الدول الناشئة؟