استمع إلى الملخص
- العقوبات الأمريكية منذ 2018 أثرت سلباً على الاقتصاد الإيراني، مسببة انهيار الريال وارتفاع التضخم، رغم إعلان الحكومة عن نمو اقتصادي بنسبة 5.7% في العام المالي المنتهي في مارس 2024.
- استطلاعات الرأي تظهر أن الاقتصاد يتصدر اهتمامات الناخبين، مع تركيز على معالجة الفقر واستحداث فرص العمل ومكافحة التضخم، لكن المرشحين لم يقدموا بعد خططاً عملية محددة لتحقيق هذه الأهداف.
دفعت الأزمة المعيشية الخانقة بمرشحي الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة المزمع إجراؤها في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، إلى إطلاق وعود انتخابية لحل أزمة الاقتصاد الإيراني لكن من دون خطط عملية يسوّق كل مرشح من خلالها نفسه على أنه الأقدر على حل مشكلات الشعب والدولة فضلاً عن تدشين عهد اقتصادي مزدهر.
غير أن هذه الوعود بدأت تفقد بريقها في الانتخابات الإيرانية، وعليه لا يبدو أنها ستلقى ترحابا وأصواتا لأصحابها وتفسر على أنها "انتخابية" تنتهي جدواها وصلاحيتها بعد الانتخابات. ويشكل الاقتصاد الإيراني اليوم أولوية قصوى باعتباره الخاصرة الرخوة، وهو ما دفع بمرشدها الأعلى علي خامنئي إلى إطلاق تسميات اقتصادية على كل سنة جديدة منذ عدة سنوات، داعياً في مناسبات مختلفة، الحكومات الإيرانية إلى جعل الاقتصاد والإنتاج في صدارة أولوياتها.
ومنح الأولوية للاقتصاد مرده إلى هبوط مؤشراته بقوة منذ عام 2018، على أثر تعرّض طهران لعقوبات أميركية قاسية شملت كل مناحي الاقتصاد الإيراني خاصة إيراداته من النقد الأجنبي، عبر فرض حظر على صادراتها النفطية والتعاملات المصرفية معها، الأمر الذي هوى بالريال الإيراني إلى مستويات قياسية من 60 ألف ريال إلى 580 ألفاً مقابل الدولار الذي ظل يتحكم بشكل أو آخر في الاقتصاد الإيراني رغم قطع البلاد بعيد الثورة الإسلامية عام 1979 علاقاتها مع الولايات المتحدة، لتسجل إيران ارتفاعاً مستمراً في أسعار السلع والخدمات والتالي جموحاً للتضخم بعد كلّ زيادة في سعر صرف الدولار.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، كان لافتاً إعلان مركز الإحصاء الحكومي، الأربعاء الماضي، تسجيل نمو اقتصادي في إيران بنسبة 5.7% في العام المالي المنتهي في 20 مارس/ آذار 2024، وهو الأعلى المحقق منذ 2017. وبحسب وكالة "إرنا"، كشف المركز أن النمو، باستبعاد عائدات النفط، بلغ 3.5%، لافتاً إلى أن قطاعي "الصناعات والمعادن" و"الخدمات" سجلا نمواً بنسبة 6.9% و5.7% على التوالي، بينما انكمشت الزراعة 2.2%.
وتُظهر نتائج استطلاعات للرأي أُجريت في إيران بالآونة الأخيرة، أن الاقتصاد الإيراني يتصدر هموم الناس، حيث تشير نتائج استطلاع لمركز "إيسبا" إلى أن 58.5% من المستطلعة آراؤهم أكدوا أن معالجة الفقر يجب أن تشكل أولوية الرئيس الإيراني المقبل، فيما ركزت البقية على استحداث فرص عمل ومكافحة التضخم وزيادة قيمة العملة الوطنية وتوفير السكن ولجم الفساد والمحسوبية، إضافة إلى الاهتمام بالسياسة الخارجية والأمن القومي.
لا خطط عملية لحلّ أزمة الاقتصاد الإيراني
عن خطط المرشحين للرئاسة الإيرانية لمواجهة المشكلات الاقتصادية، يقول الخبير الاقتصادي الإيراني البارز الدكتور علي سعدوندي لـ"العربي الجديد" إن "لا خطط عملية محددة وواضحة بعد، فيما تبرز تناقضات في البرامج المعلنة". من ذلك، مثلاً، أن المرشح الرئاسي المحافظ سعيد جليلي يتحدث عن ترشيد أسعار الوقود، لكنه في الوقت نفسه تحالف مع قوى ومجموعات تعارض تبنّي هذه السياسة، مشيراً إلى أن المرشح الرئاسي الإصلاحي مسعود بزشكيان يعمل مع فريقين اقتصاديين أحدهما ينتمي إلى أقصى اليسار الاقتصادي والآخر إلى اليمين. أما عن المرشح المحافظ البارز محمد باقر قاليباف، فيوضح الخبير أنه يعتمد مواصلة الخطط والسياسات الاقتصادية للحكومة الحالية، مؤكداً أن هؤلاء هم المرشحون الثلاثة البارزون وليس لديهم برامج اقتصادية محددة، واستبعد أن يعلنوها بشفافية قبل الانتخابات.
وعن عقدة اقتصاد إيران، يعزوها سعدوندي إلى العقوبات الأميركية الشاملة، مشيراً إلى أن سياسات إيران الاقتصادية منذ عشرين عاماً تقريباً أصبحت "مؤقتة، وهو ما تسبب في إخراج جميع الأسواق من حالة التوازن"، مضيفا أن "أسعار الوقود في إيران رخيصة جداً واستهلاك الطاقة كبير، ما أدى نقص في المعروض". وفي مواجهة هذا النقص ومنع انقطاع الكهرباء عن البيوت، أصبحت الحكومة تقطع الغاز والكهرباء عن الصناعات "الأمر الذي أضرّ بالناتج القومي الإجمالي".
ويلفت إلى إعلان الحكومة عن نمو الناتج القومي الإجمالي، قائلاً إن ذلك حصل عبر زيادة صادرات النفط، "لكن هذا التطور يبدو مؤقتاً ولا يمكن أن يستمر مستقبلاً". وهو يؤكد أن الاقتصاد "بحاجة إلى أشخاص يجرون له جراحة سواء في سوق الطاقة أو العملات"، مشيراً إلى تدخلات الحكومة في سوق العملات وعدم الأخذ بتوصيات علماء الاقتصاد، متحدثاً عن أن إيران اليوم تواجه أطول فترة تضخمية في العالم.
رأي الإيرانيين بالبرامج الاقتصادية للمرشحين الرئاسيين
"العربي الجديد" استطلعت آراء إيرانيين بشأن برامج المرشحين الستة للرئاسة الإيرانية. وفي هذا الصدد، يقول سعيد، وهو عامل بناء في العقد الرابع من عمره، من ساحة صادقية غربي طهران، إنه لم يتابع الانتخابات، وما يهمه هو توفير لقمة العيش لأسرته في مدينة خرم آباد غربي إيران، مضيفاً أنه ليس لديه أي وقت لمتابعة ما اذا كانت لدى المرشحين برامج اقتصادية جيدة لحل الأزمات الاقتصادية أم لا. لكنه يتمنى أن يفوز مرشح يكون قادراً على حل المشكلات المعيشية والحد من الغلاء الفاحش في أسعار السلع والخدمات.
أما الخمسيني علي، صاحب متجر صغير في العاصمة، فيعرب عن إحباطه من الوعود الاقتصادية للمرشحين، قائلاً إنها فقدت بريقها منذ سنوات، ولم تعد مناسبة لكسب أصوات المقترعين، لكنه، في الوقت نفسه، يعتقد أن هناك من لا يزال يمكن تعليق الآمال عليهم عسى أن يساهموا في حل الأزمات. ويضيف أنه تابع إلى حد ما تصريحات المرشحين، لكنه لم يلمس بعد خطة اقتصادية مدوّنة قادرة على كبح الغلاء والتضخم. كما يؤكد علي أنه ما دامت العقوبات مستمرة ولا يمكن للبلاد وتجارها العمل بسهولة مع العالم فيستبعد الوصول إلى حلول لإنهاء الأزمة الاقتصادية. ويشرح أنه حتى الآن لم يقدم أي من المرشحين خطة واضحة عن برنامجه لأجل رفع العقوبات.
بدورها، تقول المعلمة زينب السادات من طهران لـ"العربي الجديد" إن المعضلات الاقتصادية لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها، فمن وعد أنه قادر على ذلك ليس صادقاً، لكن هناك من المرشحين من اعترفوا بأن حلّ هذه المعضلات بحاجة إلى وقت و"نتمنى ظهور برامج اقتصادية قوية لديهم خلال الأيام المقبلة".
الاقتصاد الإيراني في حملات المرشحين الرئاسيين
نظراً لعمق الأزمة الإيرانية، كان من الطبيعي أن يحتل الاقتصاد حيّزاً كبيراً في خطابات المرشحين، حيث دعا المحافظ قاليباف في مقابلة تلفزيونية إلى "حلّ المشاكل جذرياً" وتساءل: "متى ستُحَل مسألة التضخم والغلاء والتذبذبات في الأسعار وعدم الاستقرار الاقتصادي؟"، معتبراً أن التوصل إلى حلول يستدعي تحقيق الازدهار والتقدم، ولأجل ذلك "نسعى إلى الاستثمار وإنتاج الثروة"، محمّلاً حكومة الرئيس حسن روحاني مسؤولية ما آل إليه الاقتصاد، وقال إن متوسط النمو خلال العقد الماضي ناهز 1%، داعياً إلى تكبير حجم الاقتصاد، مؤكداً أن أولويته في السياسة الخارجية ستكون رفع العقوبات.
من جهته، يركز الإصلاحي بزشكيان على ضرورة زيادة الاستثمارات، قائلاً إنه من دونها لن تُستحدث فرص عمل ولن يزداد الإنتاج، منتقداً عدم تنفيذ برامج تنموية سبعة برامج كان أُعلن عنها خلال العقود الأربعة الماضية. كما تحدث عن أهمية رفع العقوبات لتنشيط الاقتصاد، علماً أن الإصلاحيين يعلقون آمالاً على فوزه للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي يمهّد لإنهاء العقوبات.
من جهته، المرشح المحافظ سعيد جليلي تحدث في حوار تلفزيوني عن إمكانية تحقيق نمو نسبته 8% أو أكثر، مركزاً على توظيف قدرات وطاقات المحافظات الإيرانية لحل مشكلة الغلاء والتضخم، ومنتقداً زيادة طباعة النقود والسيولة، وقال إنه في ظل ذلك لا يمكن التصدي للتضخم بنجاعة. كما تحدث جليلي عن ضرورة اتباع نهج "الاقتصاد المقاوم" لحلّ مشكلة التضخم، علما أنها تسمية كان قد أطلقها المرشد خامنئي في أغسطس/ آب 2012، بهدف تعزيز الاعتماد على الذات في مواجهة العقوبات الأميركية.
بدوره يركز المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي على أهمية "الشفافية الاقتصادية"، معتبرا أنها الطريق الأمثل لمكافحة الفساد، مؤكداً أنه سيعمل على خفض التضخم إلى ما دون 10%، بينما يرى المرشح أمير حسين قاضي زادة هاشمي أن حل مشكلات الاقتصاد والتضخم يتوقف على إجراء جراحة في النظام الإداري الإيراني، عازياً جموح التضخم إلى "تدخل الحكومة والاقتصاد الحكومي". كما يتحدث المرشح علي رضا زاكاني، رئيس بلدية طهران، أن البلاد لا تواجه حالة طارئة، محملاً حكومات سابقة مسؤولية المشكلات الحالية، مع تأكيده ضرورة مكافحة الفساد والفاسدين.