قديما قالوا "إذا أردت أن تحتمي من المخاطر، وتتفادي الخسائر، فعليك بالذهب"، ويبدو أن هذه المقولة لا زالت صالحة حتى الآن، صحيح أن بريق الذهب قد يخفت في بعض الأوقات والسنوات، لكن اللمعان يعود مرة أخرى مع ظهور المخاطر سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو حتى اجتماعية.
خلال الفترة الأخيرة، شهدت أسعار الذهب قفزة حادة في الأسواق العالمية والعربية، على حد سواء، ووصل السعر الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياته في 6 سنوات، بعدما تجاوز 1400 دولار للأوقية، للمرة الأولى منذ سبتمبر 2013، مقابل 1281.30 دولاراً في بداية تعاملات العام الجاري 2019.
ومنذ بداية العام وحتى نهاية جلسة الجمعة 21 يونيو، بلغت الزيادة في أسعار الذهب 9.3%، وهي زيادة كبيرة إذا ما تمت مقارنتها بسعر الفائدة على العملات الأهم في العالم مثل الدولار أو اليورو أو الجنيه الاسترليني.
ويبدو أن رهان المستثمرين في الفترة المقبلة سيكون على الذهب الذي ربح 118 دولاراً في 18 يوماً فقط وسجل سعره ذروته في 6 أعوام، وهذا الرهان لن يقتصر فقط على الأفراد وصغار المدخرين، بل سيمتد إلى المؤسسات المالية والاستثمارية والبنوك المركزية.
وأسباب عودة الجاذبية للذهب عديدة، من أبرزها الخفض المتوقع لأسعار الفائدة على الدولار، على خلفية نتائج الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي"، الأسبوع الماضي، وقد يصاحب الخطوة الأميركية خفض في سعر الفائدة على عملات أخرى.
ومن المعروف أن المستثمرين يقبلون على شراء الذهب في حال تراجع سعر الفائدة على العملات الرئيسية، كما جرى عقب وقوع الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
كما تدفع التوترات السياسية المتزايدة والمخاطر الجيوسياسية، المستثمرين، سواء الأفراد أو المؤسسات، نحو زيادة الاستثمار في الذهب والاقبال على الشراء.
ومن أبرز المخاطر كذلك التوترات الجارية في منطقة الخليج، والتي وصلت إلى حد تلويح واشنطن بتوجيه ضربة خاطفة لإيران، إلا أن ترامب تراجع عنها في اللحظات الأخيرة.
وهناك الحرب التجارية الشرسة بين أكبر اقتصادين في العالم، الأميركي والصيني، والتي تقود الاقتصاد العالمي إلى مرحلة ركود.
وهناك مأزق استفتاء البريكست وعدم الوصول حتى الآن إلى اتفاق بشأن كيفية مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي.
وهناك ما هو أخطر وهو أن أزمة مالية عالمية على الأبواب قد تشبه تلك التي اندلعت قبل 11 سنة، وذلك حسب توقعات مؤسسات مالية وخبراء اقتصاد دوليين.
وهناك أسباب اقتصادية أخرى وراء عودة الجاذبية للذهب، منها أن العائد على سندات الخزانة الأميركية لآجل 10 سنوات تراجع إلى أقل من 2% للمرة الأولى منذ شهر نوفمبر 2016، في تعاملات الأسبوع الماضي، وانخفاض هذا العائد يقلل بالتبعية من جاذبية الاستثمار في الدولار، وهو ما يصب في صالح المعدن النفيس.
لكل هذه الأسباب وغيرها يصبح الاستثمار في الذهب هو الأفضل للأفراد، خلال العام الجاري وربما في السنوات القادمة، خاصة مع زيادة معدلات التضخم في بعض الدول العربية، وتراجع جاذبية الاستثمار في أدوات استثمارية تقليدية أخرى، منها العقارات والأراضي، في ظل حالة الركود التي يمر بها القطاع وقلة الطلب وتراجع الطلب.