تشهد الأسواق اليمنية تسرباً متواصلاً لتجار تمور اعتادوا الانتظام فيها، خصوصاً في مواسم ازدهارها، مثل شهر رمضان، الذي شهد هذا العام ارتفاعاً مضاعفاً في أسعار هذه السلعة التي اعتادت الأسواق على رواجها في أوقات كهذه يزداد فيها استهلاكها.
وقال تجار ومتعاملون في أسواق التمور إنّ الحرب كان لها التأثير الأكبر على انخفاض مستوى تداول هذه السلعة وهجرة كثير من العاملين في تجارتها الأسواق، كما يلاحظ ذلك في سوق التمور بمنطقة الشيخ عثمان، جنوبي العاصمة المؤقتة عدن.
وفي هذا السياق، أكد تاجر التمور، صادق العراكي، لـ"العربي الجديد" أنّ العمل في تجارة التمور لم يعد مجدياً في ظلّ تراجع الطلب عليها من قبل المستهلكين بشكل كبير خلال السنوات الماضية والتي تجسدت بشكل كبير هذا العام في الموسم الاستهلاكي الرمضاني الذي اعتاد أن تتصدر التمور فيه قائمة السلع التي يقبل على شرائها المواطنون باعتبارها من الضرورات في هذا الشهر. وأشار إلى زيادة المساعدات والأعمال الخيرية في تقديم التمور للمستحقين، كأحد الأسباب الرئيسية المؤثرة في أسواق التمور خلال السنوات الماضية، ما أدى إلى تراجع مبيعات التجار.
بدوره، أوضح المواطن سعيد الشغدري، وهو عامل في عدن، أنّه توقف هذا العام عن إرسال التمور ضمن ما دأب على تجميعه من احتياجات غذائية واستهلاكية إلى أسرته القاطنة في إحدى المناطق الريفية التابعة لمحافظة تعز.
وأعاد الشغدري سبب ذلك كما يتحدث لـ"العربي الجديد" إلى اكتفاء أسرته من هذه السلعة التي أصبحت تحصل عليها من "فاعلي الخير" والمبادرات الإنسانية التي تنشط في شهر رمضان في مختلف المناطق اليمنية خصوصاً الريفية لتوزيع سلال إغاثية من بعض المواد الغذائية والتي تشمل التمور في هذه الفترة.
ويلاحظ بشكل كبير تراجع حركة بيع التمور في الأسواق والمحال التجارية، كما يحدث ذلك في العاصمة صنعاء، التي يعاني فيها العاملون بهذا المجال من كساد كبير في تداول التمور، ما أدى إلى تحول كثير من المحال التجارية إلى استبدال هذه السلعة بسلع أخرى، وهو ما فعله التاجر، توفيق عاطف، الذي بدّل نشاط محله من تجارة التمور إلى بيع الملابس.
وأشار توفيق في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى ما كان يواجههم كتجار من صعوبات عدة في جلب التمور لاعتماد ذلك على استيرادها من الخارج بسبب انخفاض الإنتاج المحلي منها. وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعارها بشكل قياسي، وبصورة تفوق قدرات المستهلكين القاطنين في المدن، الأمر الذي انعكس على حضورها الشحيح في موائد إفطار الصائمين خلال رمضان، وذلك مع اضطرار كثيرين إلى الاستغناء عنها لما تتطلبه عملية توفيرها من تكاليف مادية شاقة.
في هذا السياق، قال سامي صالح، وهو من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، لـ"العربي الجديد" إنّ صعوبات عدة واجهتهم كمستهلكين في توفير التمور خلال الأيام الأولى من شهر رمضان وهو ما أجبرهم على ترك استهلاكها بشكل تدريجي، لأنّ الاستمرار في الاعتماد عليها ضمن وجبات هذا الشهر يتطلب موازنة يومية تصل إلى 1200 ريال أي حوالي 36 ألف ريال (الدولار يساوي 250 ريالاً) في الشهر.
وتتراوح أسعار التمور التي تنتشر طريقة تداولها في مغلفات يزن الواحد منها كيلوغراماً واحداً، ما بين 800 و1500 ريال بحسب نوعية الصنف، فيما يتجاوز سعر أصناف أخرى 2000 ريال، وهناك أيضاً أصناف تباع بأكثر من 3 آلاف ريال للمغلف الواحد الذي يزن كيلوغراماً.
وتشهد الأسواق المحلية في اليمن ارتفاعات قياسية تشمل معظم السلع الغذائية والاستهلاكية، مع غياب الرقابة التي يفترض أن تضبط حركتها وما ينتشر فيها من ممارسات تجارية ضارة مثل الغش والاحتكار وتداول سلع ومنتجات فاسدة غير صالحة للاستخدام، كما يلاحظ ذلك بشكل نسبي في جزء من التمور المتداولة في بعض الأسواق.
وتحذر الجمعية اليمنية لحماية المستهلك (غير حكومية) من خطورة هذه الممارسات واستمرار تفشيها في ظل رقابة رسمية ضعيفة تجعل المواطن اليمني عرضة للاستغلال التجاري الأمر الذي يؤثر عليه بشكل كبير مادياً وصحياً.
وتسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات وأزمات الصرف والوقود بتبعات كارثية على مختلف جوانب الحياة المعيشية والقطاعات الاقتصادية والإنتاجية مثل القطاع الزراعي الذي يأتي في طليعة المتضررين والتي تسببت في تقلص رقعته الزراعية وانخفاض إنتاجيته وترك زراعة العديد من الأصناف والمنتجات، نظراً للأعباء والخسائر التي يشكو مزارعون من عدم قدرتهم على تحملها.
وتقدر بيانات زراعية رسمية عدد النخيل في اليمن بنحو 4 ملايين و680 ألف نخلة في مساحة زراعية تبلغ حوالي 23 ألف هكتار. وتراجعت الأصناف المثمرة من النخيل هذا العام بنسبة تصل إلى ما يقارب 45%، بكمية إنتاجية تقدر بنحو 50 ألف طن سنوياً.
ويأتي معظم إنتاج التمور في اليمن من ثلاث مناطق تتصدرها المنطقة الغربية في سهل تهامة والتي تستحوذ على النسبة الأكبر من إنتاج التمور في اليمن بنسبة تزيد على 70%، بينما تتوزع النسبة المتبقية على المنطقة الوسطى، والأهم المنطقة الشرقية والتي تتركز عملية زراعتها في محافظة حضرموت ويبلغ إنتاجها ما يزيد على 20%.