وسط تأكيدات برلمانية باستمرار تفاقم أزمات العراق الاقتصادية والخدمية، تسجل البلاد ارتفاعا متواصلا في عدد السكان الذي سيصل خلال أقل من 10 سنوات إلى 50 مليون نسمة، وفق تقديرات رسمية، في ظل انعدام الخطط الحكومية لمواجهة هذه الزيادة التي يقول مختصون إنها تحتاج إلى ملايين الوحدات السكنية الجديدة وآلاف المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية مع توسيع خدمات البنى التحتية الحالية.
ويطرح مختصون بالاقتصاد الاستثمار كحل بديل لمواجهة أزمات العراق الخدمية تحديدا عبر بوابة النفط مقابل الإعمار، مع طرح عدة دول يمكن أن توفر مثل هذا الخيار للعراقيين أبرزها الصين وتركيا ومصر، لكن حتى الآن يبدو أن الصين هي الأقرب، بعد زيارة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي لبكين نهاية سبتمبر/ أيلول 2019 الماضي وتوقيعه مذكرة تفاهم أولية بشأن ذلك، على أساس الإعمار مقابل النفط العراقي للصين وعلى مدى يصل إلى 30 عاما.
ومطلع الشهر الحالي، أشارت توقعات وزارة التخطيط العراقية إلى أن عدد سكان البلاد في العام 2030 سيصل إلى 50 مليون نسمة في ظل التقديرات السنوية للسكان الذين يزدادون، بمعدل 850 ألفاً إلى مليون نسمة في السنة الواحدة بنسبة نمو سنوية بالغة 2.6 في المائة، مع احتمالية أن يرتفع العدد إلى 80 مليون نسبة بحلول العام 2050.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الزيادات السكانية تحتاج إلى سياسات تنموية بعيدة المدى لتحويلها من عبء تنموي إلى محاور دافعة ورافعة، وعلى أساس ذلك وُضِعت الوثيقة الوطنية للكثافة السكانية التي تتضمن مجموعة من المحاور الأساسية التي تُركز في مقدمتها على تمكين الشباب بالإضافة إلى تمكين المرأة في العديد من المجالات.
ارتفاع نسبة الإنجاب في المناطق الفقيرة
وأشارت تقديرات سابقة إلى أن نسب الإنجاب عالية جداً في المناطق النائية والفقيرة التي تُعاني من إشكاليات اقتصادية وصحية، ما أدى إلى ارتفاع معدل السكان بشكل كبير.
وتأتي هذه الزيادة السكانية، بالتزامن مع أزمات عديدة يعاني منها البلد، أبرزها البطالة والفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلاً عن موازنات لم تتضمن أي تخصيصات لتعيينات جديدة، بالإضافة إلى تردي البنى التحتية.
إحصائيات سابقة لوزارتي التخطيط والتجارة تؤكد أن عدد السكان في العراق ارتفع منذ عام 1990 إلى 2020 بنسبة عالية؛ ففي الوقت الذي كان فيه عدد السكان عام 1990 لا يزيد عن 18 مليوناً، ارتفع عددهم عام 2000 إلى 24 مليون نسمة، ما ساهم في زيادة عدد العاطلين عن العمل إلى حدود 42 في المائة من القوى العاملة وخاصة في ظل عدم وجود فرص عمل جديدة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وتضاعف معدل الفقر في العراق في عام 2020، حيث بات 40 في المائة من السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة، فقراء وفق البنك الدولي.
مسؤول حكومي عراقي بارز في بغداد، أقر بحاجة البلاد الآنية إلى ما لا يقل عن 5 ملايين وحدة سكنية لفك أزمة السكن ولنحو 20 ألف مدرسة و400 مستشفى جديدة وأكثر من ألفي مركز صحي.
وبيّن المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن العراق لم يبنِ خلال العام الماضي سوى 200 مدرسة فقط ومستشفى واحد و30 مركزا صحيا وهو ما يمكن اعتباره فشلا كبيرا في مواجهة الأزمات الخدمية في البلاد.
ويضيف في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة السكان تترتب عليها تحديات ضخمة من بينها مضاعفة عمليات البناء والتأهيل للبنى التحتية والخدمات وهو ما لا يتوفر حاليا، خاصة وأن أكثر من نصف موازنات البلاد تذهب كنفقات تشغيلية وهي عبارة عن مرتبات شهرية بواقع نحو 4.5 مليارات دولار شهريا فقط للمرتبات وبإجمالي سنوي يصل إلى نصف الموازنة أو أكثر من النصف".
انخفاض مستوى الدخل
وأدى ذلك، كما يرى الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن الشيخلي، إلى "انخفاض مستوى دخل العراقي بحيث أصبح أكثر من 30 في المائة من السكان تحت خط الفقر، حسب إحصائيات منظمات المجتمع الدولي، كما أنّ هذه الزيادة السكانية غير المخطط لها من قبل حكومات ما بعد 2003 كانت لها نتائج عكسية كبيرة جداً، إضافة لما ذُكر فإن هذه الزيادة أوجدت حالة من النقص في الخدمات وظهور العشوائيات السكانية بغياب المجمعات السكنية التي يحتاجها البلد اليوم بما يقدره الخبراء بحدود 5 ملايين وحدة سكنية".
وأضاف الشيخلي: "كما يؤدي ذلك إلى عدم كفاية خدمات البلدية من ماء وكهرباء ومحطات للصرف الصحي ومستوصفات صحية ومراكز للحمايات الأمنية وشبكة شوارع لتأمين وصول الطلبة إلى المدارس والجامعات والموظفين إلى أعمالهم وغيرها الكثير".
وحسب حديث الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد"، فإن نسبة عدد المهجرين من العراقيين تجاوزت الأربعة ملايين مهاجر خارج العراق، بالإضافة إلى عدد مهجري الداخل الذين تركوا مناطقهم ودورهم بعد أحداث سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من البلد ولم يعودوا لها رغم تحرير تلك المناطق بسبب استمرار بسط النفوذ عليها إلى ما بعد التحرير، وهو ما يعني أن التقديرات السكانية الحالية تبقى قابلة للزيادة وغير نهائية.