بمناسبة مرور عام على توصل لبنان إلى اتفاقية على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، من دون إحراز أي تقدّم إصلاحي يمهد للتوقيع النهائي، رفع سفراء دول أجنبية تحذيراتهم من خطورة الأزمة اللبنانية، مشددين على أن الحلول لن تأتي إلا من الداخل، وتبدأ بإصلاحات ذات مغذى.
ونبّه سفراء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي في بيروت ضمن بيان مشترك اليوم الأربعاء، إلى أن الوقت حان لكي تغتنم السلطات اللبنانية الفرصة التي يتيحها الاتفاق مع صندوق النقد، وإلا فإن الاقتصاد سوف يتدهور أكثر ويأتي بعواقب أكثر خطورة على الشعب اللبناني.
ووعد الاتفاق بتقديم أكثر من 3 مليارات دولار بشكل مساعدات لدعم النهوض الاقتصادي في لبنان، وقد تعهدت الحكومة اللبنانية بالقيام بتنفيذ سريع لحزمة شاملة من الإصلاحات الهيكلية (إجراءات مسبقة) من أجل التوصل إلى اتفاق رسمي مع الصندوق.
وقال السفراء إن من شأن هذا الاتفاق أن يضع الأسس لمجموعة كاملة من الإصلاحات اللازمة لاستعادة الاستقرار المالي، ومكافحة الفساد وإرساء مسار مستدام للمالية العامة، واستعادة ثقة المستثمرين من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة وإعادة بناء الاقتصاد.
وأشاروا إلى أنه من المخيب للآمال أن الجهات السياسية الفاعلة في لبنان لم تحرز سوى تقدم محدود في تنفيذ هذه الإجراءات المسبقة.
وتابع البيان "عندما تم إنجاز الاتفاق في 7 إبريل 2022، أقرّت السلطات اللبنانية بحاجة ملحة لإطلاق برنامج إصلاح متعدد الأوجه، لكن غياب الإرادة السياسية أعاق التقدم، في حين تم استيفاء بعض الشروط، تبين أن قانون السرية المصرفية غير كافٍ، ولم يتم إحراز أي تقدم يتعلق بتوزيع خسائر القطاع المالي، ويجب على السلطات العمل على تدقيق البنوك الكبرى في لبنان وتوحيد أسعار الصرف في لبنان".
وأضاف أن "من غير الممكن للحاجة الملحة أن تكون أكثر وضوحاً، تواجه البلاد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ المعاصر، الناس في لبنان يعانون، وقد بلغ التضخم 186% وتستمر احتياطات البنك المركزي الخارجية في الانكماش".
ودعا السفراء جميع القادة اللبنانيين إلى "إعادة اكتشاف الشعور بالمسؤولية وبالحالة الملحة التي أقروا بها في شهر إبريل الماضي، ويجب أن تكون لمصالح الشعب والأمة الأسبقية على المصالح السياسية"، مضيفين "لقد أفاد صندوق النقد الدولي بنفسه أنه إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات بسرعة فإن لبنان سيكون محاصراً بأزمة لن تنتهي أبداً، ومع وجود برنامج لصندوق النقد أو عدمه، من الضروري إجراء إصلاحات هيكلية حاسمة لتمكين لبنان من النهوض".
كذلك، دعا السفراء إلى شعور متجدد وموحد بالحاجة الملحة لضمان انتخاب رئيس قادر على توحيد الشعب اللبناني والعمل مع المجتمع الدولي من أجل المصلحة الوطنية، معتبرين أن غياب رئيس وحكومة فعلية هو من أكبر العقبات أمام الإصلاح الكامل والفعّال.
ولم يقم لبنان منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان أواخر عام 2019، وكذلك من تاريخ التوصل إلى اتفاقية على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي العام الماضي، بأي اجراء إصلاحي ينتشل البلاد من الانهيار الشامل، لا بل تفاقمت الأوضاع مع مرور الوقت، وقد بلغ سعر صرف الدولار مستويات قياسية غير مسبوقة تخطت قبل فترة قصيرة عتبة الـ130 ألف ليرة، قبل أن يتأرجح اليوم على خطّ 96 ألف ليرة.
وزادت معاناة الشعب اللبناني أضعافاً منذ العام الماضي، بعدما دخلت البلاد مرحلة الدولرة شبه الشاملة، وكانت الضربة الأقوى بدولرة قطاع السوبرماركت، عدا عن الفواتير التي باتت كلها تسعر بالدولار ولو بعدم وجود قرار رسمي بذلك، بحيث يستفيد أصحاب المصالح من الفوضى الحاصلة وانعدام الرقابة.
وبذريعة إرضاء صندوق النقد الدولي، بدأ لبنان بتطبيق خطة الكهرباء، من دون القيام بأي إصلاح يذكر، فاقتصرت على زيادة التعرفة أضعافاً، مقابل كهرباء بالكاد تطل على منازل اللبنانيين ساعتين في اليوم، وبالأوقات المسائية المتأخرة أو فجراً، بينما لا يزال أصحاب المولدات الخاصة يفرضون تسعيرات مرتفعة جداً أو يشترطون على المواطنين الدفع بالدولار مستغلين حاجة الناس للتيار الكهربائي.
كذلك، دخل لبنان في فبراير/شباط الماضي، مرحلة سعر صرف جديدة محدد بـ15 ألف ليرة للدولار، أقفلت صفحة 1507 ليرات، بعد نحو 25 عاماً.
وبرّر حاكم البنك المركزي رياض سلامة الخطوة بأنها باتجاه توحيد أسعار الصرف المتعددة في البلاد، وتأتي تماشياً مع مطالب صندوق النقد الدولي، علماً أن هذا التغيير لم يكن له الكثير من المفاعيل ولا سيما في ظل الدولرة التي تعتمد على سعر صرف السوق السوداء، وفرض السلطات رسوم خصوصاً جمركية تفوق السعر الرسمي.