توسيع العدوان على لبنان: الاقتصاد الإسرائيلي أمام أكلاف طويلة الأمد

26 أكتوبر 2024
استهداف يطاول الجليل الأعلى، 25 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

عشية الحرب على غزة مرّ الاقتصاد الإسرائيلي في فترة عدم استقرار نتيجة التصدّعات والاحتجاج السياسي ضد الخطة الحكومية لتقييد القضاء. لكن بالمجمل كانت المؤشرات الاقتصادية جيدة إلى حدّ ما، بحيث بلغت توقعات النمو الاقتصادي للأعوام 2023-2024 نحو 3%، وأداء سوق العمل كان بحالٍ جيدة مع معدلات بطالة منخفضة تقترب من 3.5%، وتوقعات بتضخم مالي معتدل بنحو 3.8%.

في الوقت نفسه، كان هناك انخفاض في قيمة الشيكل مقابل الدولار في العام 2023، وارتفع سعر الفائدة البنكية الأساسية إلى مستوى قياسي بلغ 4.75% وبدأت المخاوف تتزايد بشأن خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، كما حدثت زيادة في العجز المالي للحكومة بلغت 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وهي أرقام، ولو كانت أسوأ بقليل من عام 2022، إلا أنها معتدلة بالمجمل ولا تشير إلى أزمة اقتصادية جدية.

منذ بداية حرب الإبادة على غزة كان واضحاً أن الكلفة الاقتصادية والمالية لهذه الحرب ستكون مختلفة عن سابقاتها. إذ تختلف هذه الحرب من عدة جوانب، أبرزها: بدأت الحرب بهجوم على بلدات إسرائيلية في ما يُسمى غلاف غزة وألحقت أضراراً كبيرة بالممتلكات والبنى التحتية؛ نزوح أعداد كبيرة من السكان من تلك البلدات واضطرار الحكومة لتمويل مساكن بديلة، توقف الحركة الاقتصادية في بلدات الجنوب بشكل كامل تقريباً لعدة أشهر منذ بداية الحرب، تراجع حركة الاقتصاد في المركز الاقتصادي في إسرائيل لعدة أسابيع، توقف الاقتصاد في بلدات الشمال نتيجة فتح حزب الله جبهة الإسناد، كما كانت هذه أول مرة يقوم بها الجيش الإسرائيلي بتجنيد واسع لقوات الاحتياط قارب نحو 200 ألف جندي مع كلفتهم المالية؛ كما استعمل الجيش الإسرائيلي كميات هائلة من الأسلحة منذ بداية حرب الإبادة على غزة، وهو ما يعني تكاليف كبيرة على ميزانية وزارة الأمن.

كما أن العدد الكبير من الجرحى والقتلى من قوات الجيش، وخاصة تزايد عدد الإعاقات الجسدية والنفسية التي تعني خروج هؤلاء من سوق العمل بشكل كلي أو جزئي، يعني دفع مخصصات شهرية لفترات طويلة لهؤلاء من قبل وزارة الأمن. كل هذا أدى إلى ارتفاع العجز المالي في ميزانية الحكومة إلى قرابة 7% من الناتج المحلي، وزيادة الدين الخارجي بشكل كبير بحيث بات يناهز الـ64% من الناتج.

تكاليف الحرب والأثمان الاقتصادية بدأت بالارتفاع، بشكل كبير، منذ أن وسّعت إسرائيل في منتصف سبتمبر/ أيلول الحرب على حزب الله، بسبب استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط وفي أعقاب استخدام واسع لكميات كبيرة من الذخيرة باهظة الثمن، وإطلاق مكثف لصواريخ اعتراضية في أعقاب اتساع القصف الصاروخي وإطلاق الطائرات المسيرة من لبنان وإيران واليمن والعراق، وبسبب تعطيل كبير للدورة الاقتصادية في الشمال، ناهيك عن الأضرار المتوقعة بالممتلكات. 

كلفة باهظة على الاقتصاد الإسرائيلي

وقد نقل موقع "واي نت" الإخباري، بتاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، عن مصدر عسكري أن كلفة يوم قتال واحد في لبنان منذ توسيع الحرب بلغت 400 مليون شيكل تقريباً (نحو 106 ملايين دولار)، وأن كلفة الحرب منذ بدء الاجتياح البري لجنوب لبنان تجاوزت النصف مليار شيكل، ويتوقع أن ترتفع هذه الكلفة أكثر. ووضّح الموقع أن الحكومة قد أنفقت بعد مرور خمسين يوماً من بداية الحرب على لبنان، على جبهتي غزة ولبنان، حوالي 25 مليار شيكل. (الدولار 3.78 شواكل).

يوضح الصحافي ناتي طوكر، في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، في مقال نشر بتاريخ 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، أن التوقعات للكلفة المالية للحرب لوزارتي المالية وبنك إسرائيل لم تكن دقيقة لغاية الآن، نتيجة لعدم اليقين الجيوسياسي والتحولات في الحرب واتساعها. فقد بُنيت التوقعات والتحاليل على فرضية أن الحرب ستنتهي قبل نهاية العام 2024. لكن في الوضع الراهن هناك مخاوف من استمرار الحرب لفترة طويلة، وهو ما يعني إلحاق ضرر اقتصادي أكبر من التوقعات السابقة.

في هذا السياق، نشر معهد أهارون للسياسات الاقتصادية في جامعة "راخمان" في هرتسليا، تقريراً جديداً في نهاية سبتمبر الماضي، يعدل فيه التقديرات السابقة للأثمان الاقتصادية للحرب منذ السابع من أكتوبر. 

يوضح التقرير أن النتائج الاقتصادية للحرب قد تكون صعبة جداً على الاقتصاد الإسرائيلي. واستناداً إلى المعطيات المحدثة حول النمو الاقتصادي في النصف الأول من العام الحالي، خفض المعهد توقعات النمو لعام 2024. فقد قدر المعهد لغاية الآن أن النمو في العام الحالي قد يصل إلى 1.5%، في حين يخفض الآن توقعات النمو إلى 0.2% فقط، أي نمو سلبي للفرد الواحد. كما خفض كبير الاقتصاديين في وزارة المالية أخيراً توقعات النمو لعام 2024 إلى 1.1% فقط. لكن حتى هذا التوقع غير نهائي ويتعلق بتطورات الحرب وإمكانيات توسعها.

السيناريو الأول يتضمن حرباً فقط ضد حزب الله، وبكثافة عالية، لمدة شهر تقريباً بالتوازي مع استمرار الحرب على غزة ونشاط عسكري في الضفة الغربية. أما السيناريو الثاني، وهو الأخطر، وفقاً للمعهد، فيتمثل في تدهور إقليمي وحرب ليس فقط ضد حزب الله، بل أيضاً ضد إيران. وهو سيناريو من شأنه أن يؤدي إلى حالة الطوارئ في عموم إسرائيل وشل بعض النشاط الاقتصادي.

على ما يبدو، لغاية الآن إسرائيل مستعدة لدفع ثمن اقتصادي ومالي، ولو كان مرتفعاً، بغية تحقيق الأهداف الاستراتيجية والعسكرية، وأن العامل المالي والاقتصادي لم يشكل لغاية الآن حاجزاً أمام استمرار الحرب على غزة وتوسيع الجبهة الشمالية.

المساهمون