في مشروع قانون مستبعد عبوره في مجلس الشيوخ، رفع الجمهوريون في الكونغرس الأميركي سقف الدين الحكومي للولايات المتحدة والبالغ 31.4 تريليون دولار، وقرروا أيضاً خفض الإنفاق العام، مسجلين بذلك نقاطاً على منافسيهم الديمقراطيين.
وأقرت الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، أمس الأربعاء، خطة رئيس المجلس وزعيم كتلتهم، كيفن مكارثي، التي تنص على خفض غير مسبوق في الإنفاق العام ورفع سقف الدين. وأُقر مشروع قانون "الحد والتوفير والنمو" بغالبية ضئيلة من 217 نائبا في مقابل 215، لكن سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض تجعل من الصعب تحوّله إلى قانون.
ونقلت "رويترز" عن زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، قوله للصحافيين إن مشروع قانون مجلس النواب "مات مع وصوله" إلى مجلس الشيوخ، وإن الإجراء الذي اتخذه الجمهوريون "يقربنا فقط بشكل خطير" من تخلف تاريخي للبلاد عن سداد الديون، من شأنه أن يهز الأسواق والاقتصادات في جميع أنحاء العالم، علما أن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس الشيوخ بأغلبية 51 صوتا.
كما عبر الديمقراطيون عن أسفهم للتخفيضات الشديدة في الإنفاق التي قد يجلبها الإجراء إلى برامج مثل الرعاية الصحية للفقراء وبرامج أخرى تشمل إنفاذ القانون وعمليات أمن المطارات.
وتنص الخطة على خفض قدره 4.5 تريليونات دولار في الإنفاق الفيدرالي في السنوات العشر المقبلة، في مقابل رفع سقف الدين بمقدار 1.5 تريليون دولار البالغ حاليا حوالى 31 تريليون دولار، وهو مبلغ تراكم في ظل حكم رؤساء ينتمون للحزبين الرئيسيين على مدى عقود، حسبما أوردت "فرانس برس".
وكان مكارثي يرى أن الأمر ليس محسوما. فقد تواصلت المفاوضات الثلاثاء والأربعاء لإقناع جميع الجمهوريين بخطته، نظرا لهامش المناورة الضيق الذي يملكه بسبب الغالبية الضئيلة التي يتمتع بها. وكان الأمر يشكل اختبارا لرئيس مجلس النواب، من أجل إثبات قدرته على الجمع عند الضرورة، مع حزب ممزق بين قوى عدة.
وبنجاحه في تحقيق ذلك، يعزز الزعيم الجمهوري الضغوط على جو بايدن الذي بدأ الثلاثاء حملته لإعادة انتخابه في 2024. وقال مكارثي في بيان إن "مجموعتنا صوتت للخطة الوحيدة في واشنطن التي تعالج سقف الدين، وتنهي الإفراط في الإنفاق الفدرالي، وتعيد بلادنا إلى طريق النمو المستدام".
ومباشرة بعد الانتهاء من التصويت، انتقد البيت الأبيض التشريع الذي يقطع الرعاية الصحية عن المحاربين القدامى وأميركيين آخرين ويوسع التخفيضات الضريبية للأثرياء. وأكدت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار "أوضح الرئيس بشكل جليّ أن لا فرصة أمام مشروع القانون هذا ليتحول إلى قانون".
وأضافت أن "الرئيس بايدن لن يرغم أبدًا الطبقات الوسطى والعمال على تحمّل وطأة التخفيضات الضريبية للأثرياء، كما يقضي هذا النص". كما أكدت أنه "يتعين على الجمهوريين أعضاء الكونغرس التحرك بشكل فوري وبدون شروط لتجنب التخلف عن السداد، وضمان عدم تعريض سمعة الولايات المتحدة والتزاماتها للخطر"، مشددة على أن "هذه هي وظيفتهم".
حسابات انتخابية في إقرار المشروع؟
ويرفع مشروع القانون الجمهوري، الواقع في 320 صفحة، حد سقف الدين حتى مارس/آذار 2024، ما يمهد الطريق لمواجهة أخرى في هذا الشأن في خضم الحملات الانتخابية الرئاسية، أو حتى يصل الدين إلى 32.9 تريليون دولار. لكنه يخفض الإنفاق الفدرالي بشكل كبير ويلغي أجزاء رئيسية من برنامج بايدن، مثل مساعيه لإلغاء ديون الطلاب ومكافحة التغير المناخي.
وبدأت الحملة الانتخابية فعليا الثلاثاء. وعلّق كيفن مكارثي على إعلان جو بايدن ترشحه للانتخابات بالقول إن الرئيس "يركز على ما يبدو على مستقبله السياسي بينما عليه التركيز على مستقبل الولايات المتحدة". وسمح التصويت الذي جرى الأربعاء بتعزيز موقفه. فقد أكد مكارثي أنه "يوجه رسالة واضحة إلى الرئيس بايدن: الاستمرار في تجاهل المشكلة ليس خيارًا. يجب أن يجلس الرئيس على الطاولة ويتفاوض".
وأكد الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض قبل معرفة نتيجة التصويت "سأكون سعيدا بلقاء مكارثي، لكن ليس بشأن رفع أو عدم رفع سقف الدين"، مؤكدا أن هذا الأمر "غير قابل للتفاوض".
ويرى الديمقراطيون أن سقف الديون ليس موضوعا قابلا للتفاوض، مذكرين بأنه لا يتعلق بنفقات جديدة بل بإنفاق أقرته إدارات من الحزبين في الماضي. وبالنسبة للولايات المتحدة، المجازفة كبيرة؛ إذ إن البلاد لم تواجه في الماضي حالة تخلف عن سداد ديونها. وتعتبر ديون الخزانة أساس تقييم الأصول الآمنة في العالم، ومعدلات فائدتها هي الأساس لتسعير المنتجات والتعاملات المالية في جميع أنحاء العالم.
هل تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها في بداية يونيو القادم؟
هذا وحذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين مرة أخرى الثلاثاء من أن التخلف عن السداد "سيسبب كارثة اقتصادية ومالية". وخلافا لمعظم الاقتصادات المتقدمة، هناك سقف محدد لديون الولايات المتحدة ويجب أن يتم التصويت عليه من قبل الكونغرس من أجل مواكبة ارتفاعه. وهذا الوضع حدث 78 مرة منذ بداية ستينيات القرن الماضي، لكنه مر في غالب الأحيان بلا صعوبة.
والتوصل إلى توافق سريع هو ضرورة للولايات المتحدة، لا سيما وأن التخلف عن السداد قد يحدث بسرعة أكبر مما كان متوقعًا في البداية.
وفي مذكرة نُشرت الاثنين تحدثت وكالة "موديز اناليتيكس" عن إمكانية التخلف عن السداد "ربما في بداية حزيران/يونيو"، فيما بدأ المستثمرون أخذ هذا الاحتمال في الاعتبار، كما يتبين من تكاليف التأمين لتغطية أنفسهم من تخلف عن السداد من جانب الولايات المتحدة. وتكاليف التأمين هذه هي الأعلى منذ 2011.
وترى "موديز" أن خطة مكارثي ليست بالضرورة الحل المناسب لأنه سيكون لها تأثير حقيقي على الاقتصاد من انخفاض بنسبة 0.6 نقطة مئوية في النمو المحتمل للولايات المتحدة لعام 2024 والقضاء على 780 ألف وظيفة، وهو ما يخيف الجمهوريين المعتدلين. وقالت جانيت يلين الثلاثاء: "يجب أن يصوت الكونغرس لرفع أو تعليق سقف الديون. يجب أن يفعل ذلك من دون شروط، ويجب ألا ينتظر حتى اللحظة الأخيرة".
وبحسب "رويترز"، يأمل مكارثي الآن في استمالة بايدن للتفاوض بشأن خفض الإنفاق، حتى مع إصرار البيت الأبيض والديمقراطيين في الكونغرس على زيادة حد الديون من دون شروط. وقد تجد وزارة الخزانة نفسها غير قادرة على سداد فواتيرها في غضون أسابيع إذا فشل الكونغرس في اتخاذ إجراء. وأدت مواجهة في عام 2011 إلى خفض التصنيف الائتماني للحكومة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وعصف بالاستثمارات.
ودعا مكارثي بايدن إلى بدء مفاوضات بشأن زيادة حد الديون وخفض الإنفاق وحث مجلس الشيوخ، إما على الموافقة على مشروع قانون مجلس النواب أو إقرار مشروع قانون خاص به.