- استمرار أزمة الأرز يعكس تحديات في تأمين الاكتفاء الذاتي، مع ارتفاع الأسعار وظهور أسواق سرية. الحلول المقترحة تشمل زيادة مساحة الزراعة وإعادة الأرز لمنظومة البطاقات التموينية.
- تواجه الحلول المقترحة تحديات تتعلق بإدارة الموارد المائية والسياسات الزراعية. الحل الجذري يتطلب استراتيجية شاملة لتعزيز الإنتاج المحلي وضمان استقرار الأسعار.
في محاولة جديدة للسيطرة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مصر، أصدر وزير التموين المصري، علي مصيلحي، قرارا يلزم التجار بكتابة الحد الأقصى لسعر بيع 7 سلع استراتيجية وهي: الأرز، السكر، الفول، الألبان، الأجبان، المكرونة، الزيوت.
ورغم صدور القرار في الثاني من هذا الشهر، تفاقمت أزمة السلع الغذائية، واستمرت الأسعار في الارتفاع، وتعمقت الأزمة باختفاء السلع من الأسواق، خاصة الأرز والسكر.
وفي محاولة سابقة، أصدر وزير التموين قراراً بتشكيل لجنة عليا في الوزارة والمديريات التموينية في المحافظات لإلزام الموزعين وتجار الجملة والتجزئة بوجود فواتير ضريبية، لمراقبة مدة تخزين السلع الغذائية، وعلى رأسها الأرز، بحيث لا تزيد عن شهرين. وفشل القرار الذي صدر قبل عشرة أيام من القرار السابق، في ضبط الأسعار، ما دعا الوزير إلى إصدار القرار الأخير.
ارتفعت أسعار الأرز في الأسواق إلى ما يزيد عن ضعف الأسعار التي كان عليها في العام الماضي
وارتفعت أسعار الأرز في الأسواق إلى ما يزيد عن ضعف الأسعار التي كان عليها في العام الماضي، حيث ارتفع سعر الكيلوغرام المعبأ إلى 47 جنيها، والسائب في المناطق الشعبية إلى 34 جنيها، وفي المعارض الحكومية 27 جنيها، ولكن عددها محدود جدا وتتواجد في بعض المدن الكبرى فقط.
محاولات فاشلة
في نهاية العام الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا للسيطرة على ارتفاع الأسعار، باعتبار 7 سلع من المنتجات الاستراتيجية في تطبيق حكم المادة (8) من قانون حماية المستهلك، ويحظر حبسها عن التداول؛ سواء من خلال إخفائها، أو عدم طرحها للبيع، أو الامتناع عن بيعها أو بأي صورة أخرى، وكان الأرز على رأس تلك السلع.
وألزم حائزي السلع من المنتجين والموردين والموزعين والبائعين ومن في حكمهم بالمبادرة فورًا، بإخطار مديريات التموين والتجارة الداخلية المختصة على مستوى الجمهورية بنوعية وكميات ما قد يكون مخزنًا لديهم من هذه السلع.
ورغم القرارات غير الدستورية ولا المنطقية، عانت مصر العام الماضي من أزمة نقص الأرز وارتفاع سعره، ليصدر مجلس الوزراء قرارا رقم 66 لسنة 2022 بتحديد سعر الأرز المعبأ الأبيض، بحيث لا يزيد عن 15 جنيها، وكيلو الأرز الأبيض غير المعبأ بـ12 جنيها لمدة 3 أشهر، إلا أن الأزمة استمرت، واستمر النقص في المعروض من الأرز في السوق منذ صدور القرار.
وفي ظل اختفاء الأرز من على أرفف المحلات قبل أيام من شهر رمضان، ظهرت لأول مرة في مصر أسواق سرية في المناطق الشعبية والقرى تبيع الأرز بعيدا عن عيون الحكومة التي تسيّر حملات أمنية على المحلات وكمائن على الطرق لمصادرة الأرز وإعادة بيعه في المعارض الحكومية، وهو دليل على تفاقم أزمة الأرز في البلاد.
ورغم إعلان وزير التموين مرارا وتكرارا عن عدم وجود أزمة في الأرز وأن مصر تكتفي ذاتيا من السلعة الاستراتيجية، كشف المتحدث باسم الوزارة، أحمد كمال، لوكالة رويترز قبل شهرين، أن الاحتياطي الاستراتيجي لمصر من الأرز يكفي 1.4 شهر. ما يعني أن مخازن وزارة التموين تكاد تكون خالية من الأرز.
في ظل اختفاء الأرز من على أرفف المحلات قبل أيام من رمضان، ظهرت لأول مرة أسواق سرية في المناطق الشعبية والقرى تبيع الأرز بعيدا عن عيون الحكومة
وفي تقديري، أن أزمة الأرز سوف تستمر هذا العام أيضا وحتى حلول موسم الحصاد في شهر سبتمبر على أقل تقدير، في ظل حظر الهند، أكبر مصدّر للأرز في العالم، تصدير الأرز، وارتفاع الأسعار في السوق الدولية، والانخفاض الكبير في قيمة الجنيه الذي وصل إلى 48 جنيها للدولار.
ورغم صعوبة الموقف، يمكن للحكومة المصرية أن تنفذ مجموعة من الإجراءات قبل موسم الزراعة الجديد، والذي يحل في شهري مايو ويونيو القادمين، لعلاج الأزمة المستمرة منذ سنوات. ونركز هنا على إجراءين فقط يمكن من خلالهما علاج المشكلة تماما.
أولا: زيادة مساحة الأرز
في بداية سنة 2022، ظهرت أزمة في الخبز في مصر وبعض دول العالم، وتضاعفت أسعار القمح بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. واقترحت أن تتوسع الحكومة في زراعة الأرز، ليكون بديلا محليا لرغيف العيش الذي يصنع من القمح المستورد، في ظل تقارير تؤكد طول مدة الحرب.
واقترحت أن تصل مساحة الأرز إلى 1.8 مليون فدان بدلا من 724 ألفًا التي تتمسك بها الحكومة كل سنة، بحجة توفير مياه الري. وللأسف لم يلق الاقتراح آذانا صاغية، واندلعت أزمة في الأرز منذ ذلك الوقت بالتزامن مع أزمة الخبز المحتدمة.
وأكرر هنا أنه ما لم تزد الحكومة مساحة الأرز هذا الموسم، سوف تستمر الأزمة وتتعمق وتشتعل الأسعار أكثر، ويستمر اختفاء الأرز من الأسواق.
في مطلع هذا العام، نشرت الجريدة الرسمية المصرية قرار وزير الموارد المائية والري، هاني سويلم، رقم 543 والذي يحدد مساحات زراعة الأرز في مصر لعام 2024 بـ724 ألف فدان في محافظات شمال الدلتا، بالإضافة إلى 350 ألف فدان إضافية من سلالات الأرز التي تتحمل الجفاف والملوحة في نفس المحافظات المصرح لها بزراعة الأرز.
وهي نفس المساحة التي يتم التصريح بزراعتها منذ سنة 2016، بحجة أن الأرز شره لاستهلاك المياه، وأن الحكومة بصدد مواجهة آثار سد النهضة الإثيوبي على مصر. وأثبتنا أن الأرز بريء من فرية إهدار مياه الري، ولكن لا حياة لمن تنادي.
وثبت أن المساحة غير كافية لتغطية الاستهلاك المحلي، وتسببت في تراجع الإنتاج وتحوّل مصر من بلد مصدّر للأرز إلى مستورد.
ورغم ادعاء الحكومة أن المساحة تكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز كالعادة، أعلنت وزارة التموين، ممثلة في الهيئة العامة للسلع التموينية، عن إجراء الممارسة رقم (2) لسنة 2024 لاستيراد أرز أبيض. وحددت الوزارة توقيت وصول الأرز في الفترة من 15 مارس إلى 15 إبريل 2024.
ما لم تسمح الحكومة بزيادة مساحة الأرز إلى 1.5 مليون فدان على الأقل، فسوف تستمر أزمة الأرز حتى نهاية العام القادم 2025
وهي المناقصة الثانية خلال شهر واحد التي تعلن فيها الوزارة عن مناقصة لاستيراد الأرز، حيث حددت المناقصة الأولى توقيت وصول الأرز في الفترة من 19 فبراير إلى 10 مارس 2024، ما يفند بوضوح ادعاء الحكومة أن مصر تكتفي ذاتيا من الأرز. وما لم تسمح الحكومة بزيادة مساحة الأرز إلى 1.5 مليون فدان على الأقل، فسوف تستمر أزمة الأرز حتى نهاية العام القادم 2025.
ثانيا: عودة الأرز للبطاقات التموينية
بعد توليه الحكم في سنة 2012، وجّه الرئيس محمد مرسي وزارة التموين ببناء مخزون استراتيجي من الأرز وشراء الأرز من الفلاحين بسعر 2050 جنيهاً للطن، بدلاً من 1450 جنيهاً للطن، فاشترت الوزارة 800 ألف طن. وكانت الوزارة توفر الأرز بسعر 1.5 جنيه للكيلوغرام في منظومة البطاقات التموينية، بمعدل 2 كيلو لكل مواطن في الشهر.
القرار ساهم في استقرار الأرز في الأسواق والمحلات عند سعر 3.5 جنيهات، وعاد بالرخاء على المزارعين الذين ربحوا 600 جنيه في كل طن، فأفاد المزارع والمستهلك ودعم الأمن الغذائي في نفس الوقت.
ذلك أن منظومة البطاقات التموينية في 2013 كانت تغطي 67 مليون مواطن، من إجمالي 84 مليون مواطن، بنسبة 80% من المصريين.
شراء الأرز وغيره من المحاصيل الأساسية بأسعار مجزية من الفلاحين، يحقق أبعادا اقتصادية واجتماعية ودستورية مهمة للفلاحين الذين يعانون من البؤس، ويقع 80% منهم تحت خط الفقر.
وألزم الدستور المصري الدولة بشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح ويحميه من الاستغلال.
ما فاقم أزمة الأرز خلال العام الماضي وساهم في استمرارها حتى الآن، إلغاء وزارة التموين حصة الأرز من منظومة البطاقات التموينية، وهي التي توفر 80% من احتياجات الأسرة المصرية من الأرز. حيث قال الوزير باللهجة العامية: "مفيش رز عالتموين، ليس لعدم وجود أرز، لكن نظراً لأن الخمسين جنيه، حصة المواطن من الدعم النقدي، تغطي كيلو الزيت وكيلو السكر، وبالتالي أنزل الأرز يتبهدل؟!".
ما فاقم أزمة الأرز خلال العام الماضي وساهم في استمرارها حتى الآن، إلغاء وزارة التموين حصة الأرز من منظومة البطاقات التموينية
وبالتالي، فإن عودة الأرز إلى منظومة البطاقات التموينية قرار لابد منه، حيث يوفر لكل مواطن كيلوغرامين شهريا، لتحصل الأسرة المكونة من خمسة أفراد على 10 كيلوغرامات من الأرز، يمكن أن تغطي ثلثي احتياجاتها طوال الشهر، وتحقق توازنا في السعر الحر للأرز.
ولابد من إعادة النظر في قرار حذف 10 ملايين مواطن من المستفيدين من منظومة البطاقات التموينية، رغم زيادة معدلات الفقر. وكذلك قرار وقف إضافة المواليد الجدد لمنظومة دعم البطاقات التموينية، رغم زيادة عدد السكان وزيادة معدلات البطالة.
ذلك أن حصول المواطن على احتياجاته من الغذاء حق من حقوق الإنسان، وواجب على الدولة، يكفله الدستور المصري الذي ينص على أن لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة، وهو ما يغيب عن اهتماماته منذ 2014.