استمع إلى الملخص
- فاي وعد بتحقيق المصالحة الوطنية، إعادة بناء المؤسسات، تقوية الاقتصاد، مكافحة الفساد، وتخفيض تكاليف المعيشة، مع التركيز على تقليص النفوذ الفرنسي وتمكين الشباب في ظل تفشي الفقر والبطالة.
- تحت قيادته، شهدت السنغال إصلاحات اقتصادية واجتماعية، تحسين دخل الفرد، مراجعة عقود استثمار فاسدة، وانضمام لنادي الدول المنتجة للنفط، مع توقعات بنمو اقتصادي بـ 10.1% في 2025.
خذوا العبرة من السنغال الدولة الأفريقية التي نجحت في غضون أسابيع قليلة في الانتقال من حكم الفرد إلى دولة يفوز فيها مرشح المعارضة وممثل حزب محظور ومعتقل سياسي سابق، وأن تتحول من دولة مستبدة إلى دولة قانون، ومن دولة تشهد موجات في التضخم وغلاء غير مسبوق في الأسعار وفساد مستشري، إلى دولة يتوقع لها صندوق النقد الدولي أن تشهد قفزات في معدل النمو تفوق نسبة 10% في العام المقبل.
قبل أسابيع، شهدت السنغال ما يشبه "تسونامي سياسياً" أفرز عن تمكّن مرشّح حزب "باستيف" المحظور باسيرو ديوماي فاي من تحقيق فوز كاسح في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسيّة ليحصد 56% من الأصوات.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، فاز مرشح المعارضة في الجولة الأولى، متحدياً 17 مرشحاً من كبار وأباطرة السياسة والمال والقبائل، بمن فيهم مرشح الحزب الحاكم رئيس الوزراء أحمدو باه. ومن السجن إلى القصر الرئاسي، خرج فاي من المعتقل قبل موعد الانتخابات الرئاسية بعشرة أيام فقط، وقبيل بدء الحملة الانتخابية التي جرت في شهر مارس/ آذار الماضي.
قبلها كان الرجل مسجوناً على ذمة تهم ملفقة من السلطات الحاكمة، فقد أمضى 11 شهراً بتهم التشهير بنظام الرئيس ماكي سال، وازدراء المحكمة وإهانة القضاء، واستفاد فاي وقيادات حزبه المحظور والذين اعتُقلوا أيضاً، من قانون عفو أصدره رئيس البلاد في محاولة منه لتهدئة رجل الشارع الغاضب من تفشي الفساد وتردي الأحوال المعيشية، وتبريد المشهد السياسي المحتقن برمته.
وبسبب حالة الغضب تلك وحالة الغموض في البلاد، انتخب الشارع يوم 26 مارس الماضي المرشح فاي وهو رجل لم يكن معروفاً للعامة، يبلغ من العمر 44 سنة، ولم يسبق له أن تولى أي منصب رسمي، وعمل مفتشاً للضرائب.
دعم من ذلك التوجه تركيز الشاب المرشح في برنامجه على أن الأولوية في عهده ستكون لملف المصالحة الوطنية، وإعادة بناء المؤسسات، وتقوية أنشطة الاقتصاد، ومواجهة الغلاء ومكافحة الفساد، وإجراء تخفيضات كبيرة في الأسعار وتكاليف المعيشة وتحقيق السيادة الغذائية، والعدالة الاجتماعية والتوزيع الأفضل للثروة وضمان السيادة الاقتصادية، واطلاق عملة وطنية.
ووعد كذلك بتنويع مصادر تسليح بلاده وعلاقاتها الأمنية والسياسية، وتقليص النفوذ الفرنسي بل وتصفية الوجود العسكري الفرنسي مع التخلص من عقدة المستعمر السابق، وإصلاح نظام العدالة وتحديثه، وتمكين الشباب من مفاصل الدولة، باعتبارهم الشريحة الأقدر على صناعة وإدارة التغيير.
تفشي الفقر والبطالة في السنغال
ساعتها، اعتبر أصغر مرشحي الرئاسة في السنغال أن فوزه بكرسي الحكم يعد رسالة من الناخب بوجوب تطبيق خيار القطيعة الكلية مع نظام سلفه الرئيس ماكي سال المستبد، وضرورة وضع حد للأزمات الاقتصادية والمعيشية في البلاد، والتي تعبر عنها الأرقام، ومنها أن 20% من الشباب عاطلون عن العمل، ويبلغ معدل الفقر 57.3% في المناطق الريفية.
ومن دولة عاشت سنوات طويلة من الاستبداد وحكم الفرد والتوتر السياسي والانقلابات العسكرية، إلى قيادة دولة شهدت واحدة من أنزه الانتخابات الرئاسية في قارة أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، تحرك الرئيس المنتخب بسرعة للعمل على ملفات عاجلة ومنها تحسين مستوى دخل الفرد، ومراجعة شروط عقود الاستثمار الفاسدة المبرمة مع الشركات الأجنبية ومتعددة الجنسيات التي تستثمر في حقول النفط والغاز الطبيعي المكتشفة، وإعادة النظر في عقود شراء الطائرات والاستدانة الخارجية وغيرها، وتجفيف منابع الفساد والقضاء على رموزه، وتخفيف الأعباء المالية على خزانة الدولة، وتوسيع سيادتها على مصادر الثروات الطبيعية.
وبسرعة عمل على الملف الأهم شعبياً وهو الغلاء، إذ أعلنت حكومته تدابير لخفض أسعار السلع الأساسية وتكاليف المعيشة ومنها السلع الغذائية ومواد البناء، كما أعلنت خفض الأعباء على السلع المستوردة عبر التنازل عن الضرائب الجمركية المفروضة على المستوردين لدعم خفض الأسعار.
وقبل أقل من أسبوعين انضمت السنغال إلى نادي الدول المنتجة للنفط، إذ بدأ إنتاج النفط في أول حقل بحري، وهو حقل سانجومار البالغ طاقته الإنتاجية 100 ألف برميل يومياً ويحتوي أيضاً على غاز طبيعي، وتشير التوقعات إلى أن إنتاج النفط من هذا الحقل وحده قد يدر عائدات على الدولة تصل إلى 60 مليار دولار خلال الـ 25 عاماً المقبلة.
وبسبب تلك التطورات الإيجابية وغيرها توقع صندوق النقد الدولي يوم الأحد، أن تحقق السنغال معدل نمو اقتصادي بنسبة 10.1% العام المقبل 2025، مقابل معدل يصل إلى 7.1% للعام الجاري، مع تراجع معدل التضخم وعجز الموازنة العامة، وهو ما ينعكس إيجاباً على مستوى الفرد ومعيشته.