- الحكومة المصرية تدرس الانضمام إلى دعوى قضائية ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، مع وجود خيارات سياسية أخرى مثل طرد السفير الإسرائيلي وإغلاق السفارة.
- اقتصاديًا، يمكن لمصر وقف استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل وإلغاء اتفاقية "الكويز"، بالإضافة إلى وقف التطبيع الاقتصادي والتجاري، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي.
نعم، تستطيع مصر معاقبة دولة الاحتلال على جرائم الإبادة الجماعية التي تقترفها بحق أهالي غزة منذ ما يقرب من 8 أشهر إن أرادت، وأن تشكل مع دول عربية وإسلامية أخرى منها تركيا وماليزيا واليمن وبعض دول الخليج تحالفاً قوياً لخنق إسرائيل اقتصادياً وتجارياً والضغط عليها لوقف تلك الحرب الإجرامية، وأن تدعم وبقوة حملات مقاطعة السلع الإسرائيلية ومنتجات الدول الداعمة لها.
صحيح أن الحكومة المصرية تحركت سياسياً قبل أيام قليلة عبر تأكيد أنها تبحث في الانضمام إلى جنوب أفريقيا في الدعوى التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جريمة "إبادة جماعية"، نافية بذلك تقارير عبرية تتحدث عن عدول القاهرة عن موقفها، وصحيح أيضا أن هناك خيارات سياسية أخرى متاحة منها طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وإغلاق سفارة تل أبيب، وتجميد اتفاقية السلام، أسوة بالخطوات التي أقدمت عليه دول أخرى كما جرى في أميركا اللاتينية. لكن يبدو أن تلك الخيارات مستبعدة في الوقت الحالي لأسباب كثيرة.
على المستوى الاقتصادي فإن هناك خطوات سريعة تستطيع مصر فعلها والقيام بها منفردة إذا ما أرادت حقاً معاقبة دولة الاحتلال على جرائم الإبادة الجماعية وانتهاك الحدود، وتوجيه ضربة إلى اقتصادها وأسواقها، بل إلى سمعتها الاستثمارية والمالية، والحد من فرص تنامي العلاقات التجارية الحالية والمستقبلية، ووقف التعاون في أنشطة حيوية منها الطاقة والصناعة والزراعة والسياحة.
وقف التطبيع الاقتصادي مع دولة الاحتلال
أولى الخطوات التي يمكن للقاهرة فعلها هو وقف التطبيع الاقتصادي مع دولة الاحتلال بجميع صوره وأشكاله، وفي مقدمة تلك الصور وقف استيراد الغاز الطبيعي من دولة الاحتلال، حيث أبرمت القاهرة في السنوات الأخيرة عدة اتفاقات مع حكومات نتنياهو المتعاقبة تقضي باستيراد الغاز الإسرائيلي وبقيمة تتجاوز 20 مليار دولار تمت زيادتها في وقت لاحق إلى ما يزيد عن 23 مليار دولار، كما اتفقت مصر في نهاية شهر مارس/آذار الماضي على زيادة كميات الغاز الطبيعي الواردة من إسرائيل بنحو 26% لتصل إلى 1.450 مليار قدم مكعب يومياً خلال النصف الأول من العام المقبل 2025، بدلاً من 1.15 مليار قدم مكعب يومياً الآن.
تجدر الإشارة إلى أنّ جزءاً من الغاز الإسرائيلي المستورد الذي تدفق على مصر منذ العام 2020 يوجه إلى الأسواق والمصانع المحلية بشهادة مسؤولين مصريين، في حين تتم إعادة تصدير الجزء الآخر إلى الأسواق العالمية وفي مقدمتها أسواق أوروبا، ويمكن أن تمتد خطوة الوقف والتجميد المصرية أيضاً إلى اتفاق تم ابرامه قبل شهور ويسمح بتصدير الغاز من إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي عبر مصر ويمتد إلى 3 سنوات، قابلة للتجديد تلقائياً لمدة عامين.
وتجميد هذه الاتفاقيات تعني توجيه ضربة قاصمة لمالية وإيرادات دولة الاحتلال من النقد الأجنبي خاصة في ذلك التوقيت الذي تهرب فيه الاستثمارات الأجنبية من إسرائيل، وتجف موارد النقد الأجنبي من أنشطة رئيسية مثل السياحة والبورصة والبنوك والاستثمار المباشر، وتتعرض الموازنة العامة لضغوط شديدة بسبب كلفة الحرب الباهظة والتي تزيد عن 60 مليار دولار، مع تهاوي الإيرادات العامة من ضرائب وغيرها.
وقف العمل باتفاقية "الكويز"
أما الخطوة الثانية التي يمكن للقاهرة القيام بها فهي وقف اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة المعروفة اختصاراً باسم "الكويز"، وهي اتفاقية تجارية تضم كلّاً من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، وتم إعلانها في نهاية العام 2004، وتسمح للمنتجات المصرية بالنفاذ والدخول إلى الأسواق الأميركية من دون جمارك بشرط أن يدخل فيها مكون إسرائيلي بنسبة محددة، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في شهر فبراير/شباط 2005، وكانت نسبة المكون الإسرائيلي عند بداية تفعيلها 11.7%، وانخفضت بعدها بعامين إلى 10.5%، هذه الخطوة ضرورية في هذا التوقيت بالذات، خاصة أنها تقطع الخطوات الحالية التي كانت القاهرة وتل أبيب تعملان عليها في الفترة الماضية وتهدف إلى توسيع دائرة التجارة الحرة مع واشنطن عبر اتفاقية "الكويز".
تأثير إلغاء اتفاقية "الكويز" يمكن أن تكون له تأثيرات اقتصادية ونفسية على دولة الاحتلال من عدة زوايا منها أن مصر تستورد منتجات إسرائيلية تدخل في المنتجات التي يتم تصديرها إلى أميركا بنحو 150 مليون دولار في المتوسط سنويًّا، في حين بلغت صادرات مصر من الملابس عبر الاتفاقية في العام الماضي نحو 1.5 مليار دولار. كما أن الإلغاء أو على الأقل التجميد تحبط آمال عدد من المستثمرين ورجال الأعمال المصريين الطامحين إلى زيادة علاقاتهم الاقتصادية والتجارية مع أسواق دولة الاحتلال، وإقامة مشروعات استثمارية وتجارية مشتركة.
وقف كل أشكال التطبيع الاقتصادي والسياحي والزراعي والتجاري
هناك خطوات أخرى يمكن للقاهرة العمل عليها على الفور منها وقف كل أشكال التطبيع الاقتصادي والسياحي والزراعي والتجاري، وتجميد تبادل الوفود الرسمية ووفود رجال الأعمال مع دولة الاحتلال أسوة بما فعلته دول أخرى، وهذا العنوان العريض يمكن أن يتضمن خطوات تنفيذية منها وقف رحلات مصر للطيران وشركات الطيران المصرية الخاصة إلى مطار تل أبيب وغيره من المطارات الإسرائيلية، ووقف التنسيق السياحي وإرسال الوفود السياحية المصرية إلى إسرائيل والعكس، وتجميد اتفاقيات التبادل التجاري وعملياتها والمشاريع الاقتصادية المشتركة، وتجميد أنشطة خطوط النقل البحري بين موانئ مصر ومنها دمياط وموانئ إسرائيل ومنها ميناءا حيفا وأسدود في شرق البحر المتوسط، والحيلولة دون استيراد أي سلع من المستوطنات المحتلة.
ويمكن أن يمتد العقاب الاقتصادي المصري إلى إسرائيل إلى جوانب أخرى منها تجميد نتائج المفاوضات المصرية الإسرائيلية التي سبقت الحرب على غزة وكانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، والوصول إلى 700 مليون دولار في التجارة الثنائية السنوية بحلول العام 2025، مقابل نحو 270 مليون دولار حالياً، بحسب أرقام صادرة عن وزارة الاقتصاد الإسرائيلية في نهاية مايو/أيار 2022، ووقف خطة تحديث معبر نيتسانا الحدودي الذي افتتح عام 1982، بهدف زيادة التجارة وهو معبر بري رئيسي بين إسرائيل ومصر عبر سيناء لنقل البضائع، واستخدم في السنوات الأولى لاتفاقية السلام لحركة المركبات والمسافرين، لكنه تحول إلى معبر تجاري في وقت لاحق. كما يجب تجميد ما تم الاتفاق عليه بين البلدين قبل حرب غزة وكان يقضي بزيادة صادرات مصر الغذائية ومواد البناء إلى إسرائيل، وزيادة واردات مصر من التكنولوجيا والإمدادات الزراعية الإسرائيلية، والتعاون في مشاريع الطاقة الخضراء والبحث والتطوير.
ما تفعله إسرائيل حالياً في قطاع غزة هو تهديد مباشر للأمن القومي المصري، واعتداء صارخ على اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين في العام 1979، وزاد هذا التهديد حينما دخلت قوات الاحتلال والدبابات الإسرائيلية منطقة رفح الحدودية ورفعت العلم الإسرائيلي، ولذا فإن على مصر التحرك لحماية أمنها القومي الذي بات مهدداً، والدفاع بقوة عن القضية الفلسطينية التي طالما دافعت عنها منذ احتلال إسرائيل فلسطين في العام 1948.