- ارتفاع أسعار السلع الأولية يزيد الطلب العالمي على الدولار، حيث يتم تسعير هذه السلع بالدولار، مع ارتفاع مؤشرات السلع مثل S&P GSCI، ما يعكس التفاؤل بشأن النمو الاقتصادي الأمريكي والصيني.
- التوقعات الإيجابية للنمو الاقتصادي تواجه مخاوف من تأثير ارتفاع أسعار السلع على التضخم، مما قد يؤخر خفض أسعار الفائدة الأمريكية. التضخم يشكل قلقًا مع تقارير تشير إلى ارتفاع في أسعار المستهلكين.
ربما يشهد الدولار دورة أخرى من القوة مستفيداً من قوة نمو الاقتصاد الأميركي مقارنة باقتصاديات الدول الغربية، ومن ارتفاع السلع الاستراتيجية للصناعة مثل الطاقة والمعادن. ويؤشر الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام التي تدعم التصنيع والنقل إلى أن المستثمرين يراهنون على دورة نمو قوية للاقتصاد الأميركي وربما عودة التضخم إلى الارتفاع، وهو ما قد يؤجل خفض الفائدة الأميركية ويدعم مركز الدولار في سوق الصرف العالمي.
وبحسب بيانات "وول ستريت جورنال"، أمس الثلاثاء، ارتفع مؤشر أسعار السلع العالمية، S&P GSCI، بنسبة 12% هذا العام، متجاوزًا ارتفاع مؤشر "أس آند بي 500" الرئيسي لقياس الأسهم الأميركية بنسبة 9.1%. كما ارتفعت أسعار النحاس والنفط بأكثر من 10% و17% على التوالي.
ويواصل الذهب تسجيل أرقام قياسية جديدة منذ بداية مارس/آذار الماضي، إذ ارتفع بنسبة 13% ليصل إلى 2332 دولاراً للأوقية "الأونصة".
ومعروف أن معظم السلع الاستراتيجية للصناعة وعلى رأسها البترول والمعادن يتم تسعيرها بالدولار، وتبعاً لذلك فإن ارتفاع أسعار هذه السلع يرفع تلقائياً من الطلب العالمي على الدولار من الدول والشركات.
وبحسب بيانات "وول ستريت جورنال" ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.75% إلى 103.2 في الأسبوع الماضي، وهو ارتفاع شبيه بالمستويات التي حدثت في سبتمبر/أيلول العام 2023. كما أنهى الجنيه الإسترليني تداولات الأسبوع الماضي عند 126.9 مقابل الدولار، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 0.2%.
كما تراجع اليورو كذلك مقابل العملة الأميركية، فقد أنهى الأسبوع الماضي بالتداول دون مستوى 1.09 مقابل الدولار بعد انخفاض أسبوعي بنسبة 0.5%. وواصل الدولار ارتفاعه الجنوني أمام الين الياباني منذ بداية العام الجاري، ويعد الين العملة الثالثة الأكثر تداولاً في العالم بعد الدولار واليورو.
ومن بين العوامل الأخرى التي تدعم ارتفاع الدولار، مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الذي يحدد القوة الشرائية في الولايات المتحدة والتي تعد أهم العوامل التي تقيس النمو الاقتصادي، إذ إن الاقتصاد الأميركي " استهلاكي" أكثر منه " تصديري".
ومن ثم إن مؤشر نفقات الاستهلاك هو المقياس المفضل لدى بنك الاحتياط الفيدرالي للتضخم وعادة ما يكون محركاً كبيراً للسوق. وجاءت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين الشهر الماضي أعلى من التوقعات، وهو ما يعني أن الاقتصاد الأميركي ينمو بقوة خلافاً للمخاوف السابقة من الركود.
ويفسر محللون الارتفاع في أسعار السلع الأولية إلى النمو الاقتصادي المتوقع في أكبر اقتصادين في العالم، وهما الولايات المتحدة والصين. ويرون أن هذا النمو سيرفع الطلب على السلع الأولية. وأظهر تقريران الأسبوع الماضي التعافي في قطاعي الصناعات التحويلية في كلا البلدين، وهو ما يشير إلى بروز دورة جديدة من عمليات شراء السلع الأولية والمعادن الصناعية التي تنفذ بالدولار في معظم الصفقات.
ولاحظ مراقبون أن ارتفاع أسعار السلع الأولية، عزز أسهم شركات الطاقة والمواد، في حين هدد برفع سعر البنزين قبل موسم الإجازات الصيفية.
ويتوقع الكثيرون أن يستمر الصعود في أسعار الوقود في أميركا لبعض الوقت. وقال فريق استراتيجية السلع في مجموعة ماكواري الأميركية في تقرير بهذا الشأن، أدى نمو الدخل الحقيقي إلى تسارع الطلب العالمي على السلع، ومن المرجح أن يدفع أسعار السلع إلى الارتفاع.
ويرى خبراء، أن ارتفاع السلع الأولية قد يؤدي إلى تعقيد معركة التضخم التي ربما تقود تلقائياً إلى تأجيل خفض سعر الفائدة على الدولار. ويلاحظ أن الشكوك حول خفض أسعار الفائدة الأميركية باتت تساور المستثمرين في أسواق الأوراق المالية، خاصة في سوق "وول ستريت جورنال".
في هذا الصدد، قال رئيس أبحاث السلع العالمية والمشتقات في مجموعة "بنك أوف أميركا"، فرانسيسكو بلانش: "ربما ستكون السلع الأولية أحد العوامل التي يمكن أن تعوق تخفيضات بنك الاحتياط الفيدرالي للفائدة على الدولار".
وتشير تقارير متواترة أن مؤشر التفاؤل الخاص بالاتحاد الوطني للشركات الخاصة بأميركا تراجع إلى 89.4 في فبراير/ شباط، وفق وكالة أسوشييتد برس. وكان أقل من متوسط 50 عاماً البالغ 98 لمدة 26 شهراً متتالياً. وقال 23% من أصحاب الأعمال الصغيرة في أميركا، إن التضخم هو مشكلتهم الكبرى، بزيادة ثلاث نقاط عن شهر يناير/كانون الثاني. ولا يزال التضخم مرتفعاً بحسب البيانات الرسمية.
من جانبها قالت وزارة العمل الأميركية، إن الأسعار ارتفعت بنسبة 0.4% في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى فبراير/شباط، ارتفاعاَ من وتيرة الشهر السابق البالغة 0.3%. وبالمقارنة بالعام السابق، ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 3.2% الشهر الماضي، وهي أعلى قليلاً مما كانت عليه في يناير.
وفي الصدد نفسه، قال تقرير صادر عن بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك يوم الاثنين الماضي، إن توقعات الأميركيين للتضخم كانت متباينة الشهر الماضي وسط توقعات بزيادات أكبر في الأسعار عبر مجموعة من السلع والخدمات الرئيسية، في حين تصاعدت المخاوف بشأن عدم سداد مدفوعات الديون.
ووجد البنك في استطلاع مارس/آذار لتوقعات المستهلكين، الذي نشرت رويترز مقتطفات منه أن المستهلك الأميركي يرى أن التضخم سيرتفع إلى 3% من دون تغيير عن الشهر السابق. وارتفع المستوى المتوقع للتضخم بعد ثلاث سنوات من الآن إلى 2.9% من 2.7% في فبراير/شباط، في حين من المتوقع أن يصل التضخم بعد خمس سنوات من الآن إلى 2.6% من توقعات الشهر السابق البالغة 2.9%.
ومعروف أن الفائدة المرتفعة تساهم بدرجة رئيسية في قوة العملة. ومن ثم ربما يتردد البنك المركزي الأميركي في خفض الفائدة خلال الشهور المقبلة، مالم تتوفر بيانات قوية على تراجع معدل التضخم صوب نسبة 2.0%، أي المعدل المستهدف لخفض التضخم في الولايات المتحدة.