تتزايد مخاوف أكثر من 4 ملايين نازح سوري من تمرير المشروع الروسي بوقف المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، أو تقليص التمديد إلى 6 أشهر مشروطة، وفق المشروع الذي قدمته موسكو إلى مجلس الأمن، لتخالف مشروع القرار الذي قدمته أيرلندا والنرويج، القاضي بتمديد تسليم المساعدات عبر الحدود مع تركيا 12 شهراً.
ولم يصل أعضاء مجلس الأمن، ليل أمس الخميس، إلى توافق أو تصويت بسبب التعنت الروسي، بل استمرت المشاورات وسط تصميم من الدول المجتمعة، عدا روسيا، للتمديد لعام مقبل، لأن الأشهر الستة التي تقترحها روسيا تنتهي، بحسب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، "في منتصف الشتاء وهذا أسوأ وقت"، الأمر الذي دفع كلا من أيرلندا والنرويج لطرح مشروع قرار "حل وسط"، لتمديد تفويض المساعدات عبر الحدود عاماً، ويطلب من المجلس تبني قرار جديد إذا كان التفويض سينتهي بعد 6 أشهر.
وينتهي بعد غد الأحد تفويض مجلس الأمن رقم 2585، الذي يقضي بتمديد المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود من معبر باب الهوى شمال غربي سورية 12 شهراً. ويجب على مجلس الأمن التصويت مجدداً على تجديد هذه الآلية والمعمول بها منذ عام 2014.
ويقول العامل بالشأن الإغاثي شمال غربي سورية محمود عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد"، إن روسيا تحاول استخدام غذاء السوريين ضمن حربها، كما تفعل مع منتجات أوكرانيا الزراعية ونفطها وغازها، مؤكداً أن المساعدات الأممية هي المورد الوحيد لنحو 4 ملايين سوري مهجرين من مدنهم التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد، وإن توقفت المساعدات أو قُيّدت بشروط "كأن تصل إلى المخيمات ومناطق النزوح عبر نظام الأسد، فستشهد مناطق ريفي إدلب وحلب مجاعات".
ويكشف عبد الرحمن أن هدف روسيا، إن مررت قرار المساعدات الحالي، هو إجراء تعديلات لتأتي المساعدات عبر مناطق النظام "خطوط التماس"، وقد جرى العمل بهذه الطريقة العام الماضي وفشلت وزادت السرقات.
ويشير المتخصص بالشأن الإغاثي إلى تراجع المساعدات "العربية والإقليمية"، ولم يعد من موارد للنازحين السوريين سوى المساعدات الأممية وتحويلات ذويهم من الخارج، وروسيا برأيه مصممة على تسليم المساعدات عبر النظام، وترمي بفخ إنشاء مجموعة خاصة، تضم المانحين وممثلي الوكالات الاغاثية، من أجل المراقبة ومتابعة التنفيذ، لكن ذلك سيضع السوريين بالمناطق المحررة تحت رحمة نظام الأسد ويوغل بتجويعهم، "والأهم ستزيد سرقاته من المساعدات الأممية، بل واستخدامها لقتل وتهجير السوريين".
وتتوالى التقارير الأممية التي تؤكد سرقة نظام الأسد المساعدات الأممية وتسخيرها لتهجير وتجويع السوريين، إذ يشير آخر تقرير بهذا الصدد، أصدره أخيرا مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، إلى أن نظام بشار الأسد يتلاعب بالمساعدات الإنسانية في سورية بشكل متكرر من خلال منعها عن معارضيه ومنحها لآخرين.
التقارير الأممية التي تؤكد سرقة نظام الأسد للمساعدات الأممية وتسخيرها لتهجير وتجويع السوريين
ويقول التقرير إن نظام الأسد يتمتع بسلطة قوية على وصول منظمات الإغاثة، بما في ذلك من خلال الموافقات على تأشيرات الدخول، لدرجة أنه أصبح من الطبيعي بالنسبة لأقارب كبار مسؤولي النظام الحصول على وظائف داخل هيئات الأمم المتحدة.
واستنادا إلى مقابلات مع مسؤولي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني في سورية، صدر تقرير "مساعدة الإنقاذ في سوريا" المكون من 70 صفحة، عن مركز الأبحاث الذي يتخذ من العاصمة واشنطن مقرا له. مبيناً أنه بالوقت الذي تساهم الحكومات الغربية المانحة بنحو 2.5 مليار دولار سنويا من المساعدات الإنسانية، تستمر الاحتياجات في الارتفاع. بالإضافة إلى ذلك، تلاعبت حكومة الأسد بالمساعدات لأكثر من عقد من الزمان، حيث منعت المساعدة عن المعارضين ووجهتها إلى الحلفاء.
ونبه التقرير إلى آثار نقل المساعدات عبر ما يمسى "خطوط التماس"، خلال إشارته إلى أنه أثناء نقل المساعدات عبر خطوط الصراع في كل من شمال غرب وشرق سورية، والمعروفة باسم الشحنات العابرة للحدود"، كانت هناك سرقات وجرى توزيع المعدات الطبية بشكل عشوائي"، فإلى جانب تحويل طعام الأمم المتحدة إلى جيش النظام السوري، يستفيد الأشخاص المسؤولون مباشرة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وفيما وصفها التقرير بـ"الفضيحة الكبرى"، أشار إلى أن ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، ورجل الأعمال محمد حمشو، فازا بعقود مشتريات أممية لنزع المعادن في المناطق التي استعادتها الحكومة وإعادة تدويرها للبيع في شركة حديد للصناعات المعدنية، المملوكة لرجل الأعمال الذي سبق له أن شغل عضوية مجلس الشعب.
وقالت مؤلفة التقرير ناتاشا هول: "لا توجد مواقف كثيرة في التاريخ لشخص يرتكب جرائم فظيعة ويبقى في السلطة ويسيطر على جهاز المساعدة". وأضافت: "إنها حلقة فاسدة للغاية يجرى إنشاؤها".
وتستمر الخلافات حول تقديم المساعدات الغذائية والدوائية للسوريين الذين هجرتهم الحرب، ففي حين تصمم روسيا على مشروع قرارها في ما يصفه مراقبون "حربا دبلوماسية وقودها الجياع السوريون" متذرعة بعدم المراقبة أو منح الأسد شرعية توزيع المساعدات، تشدد سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، على أن معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا "أحد أكثر المعابر مراقبة وتفتيشاً في العالم"، مؤكدة أن معايير المراقبة في المعبر "ذهبية".
تصر واشنطن على أن معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا "أحد أكثر المعابر مراقبة وتفتيشاً في العالم"
وأشارت غرينفيلد إلى أنها قامت بزيارة مرة أخرى، في حزيران/يونيو الماضي، إلى معبر باب الهوى، موضحة أنها "تمكنت من رؤية كيف يؤكد عمال الإغاثة محتويات الصناديق، ويغلقون الشاحنات، عن قرب".
وأكدت الدبلوماسية الأميركية أنه "يجب تجديد هذا المعبر الحدودي لمدة 12 شهراً أخرى، لمساعدة العائلات التي تشهد ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية، وللأطفال الذين سيموتون من دون علاجات منقذة للحياة، وللمستشفيات والمدارس التي تعتمد على المساعدات"، مشددة على أنه "لا يمكننا أن نخذلهم".
وبين ما يوصف بتصفية الحسابات بين الكبار ودفع السوريين ثمن تلك المعارك، يتمنى الاقتصادي والعامل بشركة إغاثية محمد حسين، من مدينة غازي عنتاب التركية، إبعاد السوريين عن "معارك الكبار" والتفات مجلس الأمن للبحث عن حلول جذرية ودائمة للنازحين السوريين، ففي الصيف، تتعاظم مشاكل الحر، ويعاني النازحون في الشتاء من المطر وغمر خيمهم، والجوع والقصاص من "أهلنا المساكين" طيلة العام.
ويستغرب المتخصص حسين، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، من إبقاء غذاء السوريين مرهوناً بقرارات وتمديد "الفيتو الروسي والصيني، هي مشكلة عالمية لا بد من حلها"، مشيراً بالوقت نفسه إلى أنه منذ بدء تطبيق القرار الأممي في "تموز 2014"، دخلت 51,717 شاحنة تضم مساعدات إنسانية عبر معبر باب الهوى، يستفيد منها نحو 2.5 مليون نازح، في حين لا تطاول المساعدات الأممية سكان القرى بمحافظتي إدلب وحلب، "في البداية كانت السلل الغذائية أكثر وحجم المساعدات يصل إلى نحو 4 ملايين سوري".
مطالبة بإبعاد السوريين عن "معارك الكبار" والتفات مجلس الأمن للبحث عن حلول جذرية ودائمة للنازحين
ويكشف حسين استمرار دخول قوافل المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس مع النظام السوري إلى مناطق شمال غربي سورية برعاية برنامج الأغذية العالمي (WFP)، "وآخرها على ما أعتقد في 12 الشهر الماضي"، وكانت القافلة مكونة من 14 شاحنة "وهي الدفعة هي الخامسة منذ بدء تطبيق القرار الأممي 2585/2021 بعدد شاحنات كلي 71 ضمن كل الدفعات"، مستغرباً من استمرار المجتمع الدولي بإرضاء روسيا لإدخال المساعدات عبر ما يسمى خطوط التماس، واليوم"نرى تراخياً حول تمديد القرار لعام مقبل".
وحول كفاية المساعدات التي دخلت أخيراً عبر خطوط التماس، يقول العامل في المنظمة الأممية حسين إنها "لا تسد أكثر من 5% من الاحتياجات الإنسانية للنازحين، غذاء أو دواء"،مقترحاً تحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة إلى منظمات دولية غير حكومية، والبحث، ولو بتصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة، لتوزيع المساعدات عبر الحدود خارج نطاق مجلس الأمن، ولو برعاية أممية، لتجنب "الفيتو" الروسي وتحكم موسكو بمصير السوريين أو تحويل المساعدات لدعم نظام الأسد، عبر ما يسمى خطوط التماس.
وكانت رئيسة بعثة منظمة "أطباء بلا حدود" في سورية، كلير سان فيليبّو، قد أكدت أن آلية عبور المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الخطوط "تواجه قيوداً هائلة طوال فترة النزاع"، مؤكدة على أنه "لا يمكن لعبور المساعدات عبر الخطوط أن يحل محل عمليات عبور المساعدات عبر الحدود تحت أي ظرف كان".
وأوضحت فيليبّو، خلال حوار نشرته صحيفة "النهار "اللبنانية أخيراً، أنه من القيود التي تواجه المساعدات عبر الخطوط "التأخر في الموافقة، والقيود التي تفرضها حكومة النظام السوري، واستمرار الخلافات بين الأطراف المتحاربة على الأرض، وغياب آليات مراقبة مستقلة، ورفض السكان المحليين في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة عبور الجهات الفاعلة والأنشطة عبر خطوط النزاع".
وعن الانعكاسات المباشرة المحتملة على عدم تجديد تفويض المساعدات عبر الحدود، قالت رئيسة "أطباء بلا حدود" في سورية إن ذلك "سيؤدي إلى تعطيل المساعدات الإنسانية والطبية بشكل هائل، وتقليصها في شمال غرب سورية، وزيادة تفاقم الوضع الإنساني غير المستقر في هذه المنطقة".