نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نزع فتيل أزمة غذائية عالمية كادت أن تحدث في حال إصرار روسيا على الانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، والحيلولة دون وصول القمح الأوكراني إلى أسواق العالم، خاصة الدول المتعطشة للغذاء في منطقة الشرق الأوسط والتي تستخدم القمح في صناعة الخبز، كما هو الحال في مصر وتونس والمغرب والجزائر والأردن والعراق واليمن والسودان ودول الخليج.
الخطوة جاءت بعد جولة مكوكية قام بها أردوغان وفريقه المعاون، وعلى رأسهم وزيرا الدفاع والخارجية، الذين تمكنوا من إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتراجع عن موقفه الرافض تصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود، والعودة مجددا إلى اتفاق إسطنبول الذي تم في شهر يوليو الماضي برعاية تركيا والأمم المتحدة، وضمن تدفق أكثر من 9 ملايين طن من حبوب أوكرانيا لأسواق العالم، وتهدئة أسعار القمح والذرة الشامية وغيرها من منتجات الأغذية، وأنهى حصارا روسيا بحريا لموانئ أوكرانيا استمر 5 أشهر.
بوتين ألقى، يوم السبت الماضي، بقنبلة في وجه الجميع، بإعلانه انسحاب روسيا من اتفاق تصدير القمح الأوكراني، وهو ما أحدث ذعرا شديدا في أسواق الحبوب العالمية، وتسبب في حدوث زيادة في سعر القمح والذرة والزيوت وغيرها، خاصة أن أوكرانيا تعد واحدة من أكبر مصدري القمح في العالم.
عودة روسيا إلى اتفاق الحبوب أراحت الأجواء لكن هناك بؤر توتر أخرى لا تزال تهدد السوق العالمي
صحيح أن دول العالم المستوردة للأغذية تنفست الصعداء عقب إعلان أردوغان اليوم الأربعاء، إعادة العمل باتفاق إسطنبول مجددا، لكن في المقابل فإن هناك بؤر توتر أخرى لا تزال تهدد سوق الحبوب العالمي.
فالأرجنتين، وهي أحد أكبر مصدري القمح في العالم، تتجه لتأجيل صادرات القمح وسط موجة جفاف حادة تمر بها البلاد وتنذر بأسوأ موسم حصاد في نحو عقد.
ومن شأن تلك الخطوة أن تؤدي إلى حدوث مزيد من الارتفاع في أسعار الحبوب العالمية، بعدما ضرب الجفاف المزارع في الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند وأستراليا وغيرها من كبار منتجي القمح، وأعاق الغزو الروسي لأوكرانيا شحنات التصدير، سواء من قبل روسيا أو أوكرانيا، اللتين تصنفان على أنهما من كبار مصدري القمح حول العالم.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك مخاطر أخرى، إذ خفضت وزارة الزراعة الأميركية توقعاتها لصادرات القمح إلى أدنى مستوى منذ 50 سنة، أي منذ الموسم التسويقي (1971-1972)، مع هبوط الإمدادات الغذائية وعدم تنافسية الصادرات.
أزمة الغذاء وقفزات أسعار الحبوب ستطل برأسها من وقت لآخر طالما استمرت حرب أوكرانيا وموجة تضخم أسعار الأغذية والوقود الحالية
كما خفضت توقعات مخزونات القمح الأميركية بمقدار 34 مليوناً لتصل إلى 576 مليون بوشل (أداة قياس)، وهو أدنى مستوى منذ موسم (2007-2008).
وتوقعت الوزارة، في تقرير حديث لها، تراجع صادرات القمح الأميركية إلى 775 مليون بوشل في موسم (2022-2023)، ما يمثل هبوطا بمقدار 50 مليون بوشل عن التقديرات السابقة.
سبق تلك الخطوة مباشرة إعلان الحكومة الهندية، نهاية شهر أغسطس الماضي، تقييد صادرات دقيق (طحين) القمح، لتهدئة الأسعار في السوق المحلية.
وقبلها مباشرة، ألزمت الهند التجار الحصول على إذن قبل تصدير ذلك الدقيق. كما حظرت صادرات القمح في منتصف شهر مايو/أيار الماضي، عقب اندلاع موجة حر قائظ أدت إلى تقليص الإنتاج وبلوغ الأسعار المحلية مستوى قياسيا.
واكب الخطوات السابقة حدوث تراجع حاد في صادرات القمح الروسية في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، أول شهرين في موسم 2022-2023، بلغت 5.9 ملايين طن، بانخفاض 27% عن الفترة نفسها قبل عام. ويعد هذا هو أدنى حجم لصادرات القمح الروسي في هذين الشهرين منذ موسم 2017-2018.
أزمة الغذاء وقفزات أسعار الحبوب ستطل برأسها من وقت لآخر طالما استمرت حرب أوكرانيا وموجة تضخم أسعار الأغذية والوقود الحالية، والمتضرر هي الدول المستوردة والتي تعتمد كلية على الخارج في تأمين غذائها.
والحل يكمن في تعامل الحكومات بمنتهى الجدية مع قضية الأمن الغذائي، وعدم تفضيل زراعة الكنتالوب على حساب القمح والذرة والأرز وفول الصويا وغيرها من الحبوب الضرورية لصناعة الخبز.