تسببت الحرب الدائرة في السودان في انهيار كامل في النظام الصحي وتفاقم أزمة شح في الأدوية على المستويين المستورَد والمحلي خاصة عقب توقف الموردين عن استيرادها وقصف بعض المصانع المحلية، فيما تعرض البعض الآخر لعمليات نهب مستمرة منذ بدء اندلاع الحرب كمصانع الباقير وبحري وسوبا.
وحذرت غرفة مصنعي الأدوية من تسبب هذا الوضع الكارثي في توقف المصانع وانعدام كامل للأدوية المنقذة للحياة، لافتة إلى أن أي معالجة لهذه المصانع تستغرق شهورا ما يخلف ندرة في الإمداد الدوائي بالبلاد وارتفاعا في أسعار المتوفر منها.
وأطلقت الغرفة مناشدة لطرفي النزاع والأجهزة الأمنية بسرعة التدخل لحماية هذه المصانع.
إغلاق الصيدليات
ووصف عضو اتحاد الصيادلة هاني نبق، في حديث لـ"العربي الجديد" الوضع الصحي بالعاصمة بالخرطوم بالأسوأ مقارنة ببقية الولايات، مؤكدا وجود بعض المخزونات من الأدوية غير أن معظم الصيدليات والمخازن اضطرت للإغلاق بسبب الحرب.
وتسببت الحرب في حالة من السيولة الأمنية التي خلقت العديد من حالات النهب والسلب للصيدليات ومخازن الأدوية وعدم إيجاد ممرات آمنة لإيصال الأدوية، وخرق الهدن المستمر من قبل الطرفين، مما شكل نقصا حادا في الصيدليات في أدوية الضغط والسكري والأمراض المستديمة. وفي ظل هذا الوضع، وبالرغم من النكران الدائم لوزارة الصحة يواجه السودان انهيارًا كاملاً للنظام الصحي.
ورصدت جولة "العربي الجديد" إغلاق عدد من الصيدليات المطلة على الطرق الرئيسية بمنطقة بحري والمناطق الطرفية أبوابها منذ اندلاع الحرب، فيما آثر بعض ملاكها نقل نشاطهم في البيع من داخل منازلهم وفق ما أشار إليه بعض صيادلة تحدثوا لـ"العربي الجديد" لتلبية احتياجات المواطنين وتفاديا لحالة السيولة الأمنية والسلب والنهب الذي يحدث بالبلاد.
انهيار النظام الصحي
وحمل المتحدث باسم اتحاد المهنيين السودانيين أمين ناصر مكي، في حديث لـ"العربي الجديد" الحرب الدائرة مسؤولية انهيار النظام الصحي في السودان.
وقال: حسب تقارير نقابة الأطباء السودانيين ومنظمة الصحة العالمية، فإن الحرب أدت إلى انتهاكات لحقوق الإنسان واقتحام المستشفيات وبنك الدم والقصف العشوائي للمستشفيات، واستخدام الكوادر الطبية والمدنيين كدروع بشرية، والاعتداء على الطواقم الطبية وعربات الإسعاف، وقد أسفر عن استشهاد 13 من الكوادر الطبية حتى الآن، وقصف مصانع الأدوية والصيدليات.
وأكد مكي على استمرار توقف جميع المستشفيات والمرافق الصحية بمدينة الجنينة غربي البلاد حتى اللحظة.
ولفت إلى أن تفاقم الأزمة الصحية في السودان لم يكن فقط بسبب الحرب، بل تزامن ذلك مع نقص حاد في الموارد الطبية والإمدادات الطبية الأساسية، مثل الأدوية والأكسجين، وانعدام الوقود والكهرباء والماء، مما أثر سلبا على النظام الصحي بالبلاد.
وقال مكي إن هناك مبادرات طوعية تعمل على إعادة الخدمة لعدد من المستشفيات بمجهود شعبي ومناشدات للطواقم الطبية في ظل غياب وزارة الصحة.
وتعمل الأجسام الطبية والنقابات المهنية داخل تجمع المهنيين مع منظمات حقوق الإنسان على المطالبة بفتح ممرات آمنة لإيصال الإمدادات الطبية الأساسية إلى المناطق المتضررة.
وتمت مناشدة المنظمات الدولية بإيصال المساعدات الطبية والإنسانية للسودان، وحث الأطراف المتحاربة على احترام حقوق الإنسان والحفاظ على البنية التحتية الصحية في البلاد. وتدعو لوقف فوري لإطلاق النار، والاتجاه للتفاوض وفتح الممرات الإنسانية.
مخاطر شح الأدوية
قال الصيدلي محمد عشميق لـ"العربي الجديد": للأسف الموقف الدوائي سيئ جدا وينذر بخطر كبير على المواطنين إن لم تنته العمليات العسكرية أو تتوقف.
وأشار إلى أن كثرا من المواطنين لم يتمكنوا من تلقى الخدمات الطبية والدوائية وكثيرا من مصانع الأدوية تم إتلافها وحرقها وخرجت عن الخدمة وباتت عودتها بعد الحرب في غاية الصعوبة فضلا على إغلاق شركات الأدوية وتوقف الاستيراد، ما ينذر بندرة غير مسبوقة في الدواء والمستهلكات الطبية بدأت تباشيرها الآن.
وعلى وقع الأزمة الدوائية وغيرها من التحديات أصبحت المستشفيات متوقفة بنسبة 69% من مستشفيات ولاية الخرطوم وهناك 61 مستشفى خرجت عن الخدمة من أصل 88 مستشفى، والعديد من المصابين والمرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات بسبب صعوبة التنقل والوضع الأمني في البلاد.
وحسب تقارير رسمية، فإن هناك كارثة صحية بسبب تحلل الجثث في شوارع الخرطوم، وعدم قدرة أهالي الضحايا على دفن ذويهم، مما ينذر بكارثة صحية.