يراكم أثرياء العرب الثروات والأموال السائلة يوماً بعد يوم، ولا تعرف معظم هذه الثروات سوى طرق ضيقة ومعروفة تخدم مصالح حائزيها بالدرجة الأولى.
فإما أن تذهب إلى البنوك الغربية، خاصة السويسرية أو الأميركية، رغم العائد المتدني على الودائع هناك، والذي قد يصل إلى الصفر حالياً كما هو الحال مع الدولار واليورو.
أو تذهب إلى الاستثمار في قطاعات وأنشطة اقتصادية تحقق مزيداً من العوائد والتراكمات المالية، أو تذهب إلى شراء اليخوت واللوحات الفنية النادرة والخيول والطائرات والقصور والفنادق والأندية الرياضية في أوروبا.
أو تذهب لشراء الأصوات الانتخابية في حال إذا ما عرف الثري طريقه إلى عالم السياسة، أو شراء الصحف والفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام، أو في صورة رشى لكبار المسؤولين لتسهيل أعمالهم والحصول على مناقصات وأراضي الدولة.
ونادراً ما يهتم رجال الأعمال العرب بالبعد الاجتماعي وتخفيف آلام ملايين الفقراء والمرضى والمشردين والأرامل القابعين حولهم في عشوائيات غير آدمية، ولا يعرف معظم هؤلاء شيئاً مهماً اسمه المسؤولية الاجتماعية، وإذا فعلوها فإنها من باب الوجاهة الاجتماعية والنفاق وتحسين الصورة.
ونادراً ما نسمع عن تبرع ثري عربي لإقامة مستشفيات تؤول إلى الدولة، أو دور رعاية صحية تعالج المرضى من الفقراء بالمجان أو بأسعار رمزية، أو إقامة سلسلة مدارس تخفف الزحام في المدارس الحكومية.
وإذا أسس هؤلاء من رجال الأعمال مستشفى أو مدرسة تكون فيها الرسوم والمصروفات ناراً وفوق طاقة أغلب المواطنين، ولا يعرف الالتحاق بها سوى أبناء الأثرياء أمثالهم أو أبناء كبار المسؤولين في الدولة.
بالطبع هناك استثناءات في دول المنطقة لكنها تظل نادرة، فرجل الأعمال السعودي سليمان الراجحي تبرع بأكثر من 7.7 مليارات دولار للأعمال الخيرية وهي تزيد عن ثلث ثروته.
الصورة تبدو مغايرة لدى أثرياء العالم، فهؤلاء يحرصون على التبرع لأعمال الخير خاصة الموجهة لمقاومة الأمراض والأوبئة والفقر والجهل، وأحياناً يتبرعون بكامل ثرواتهم.
مثلاً أعلنت وسائل إعلام أجنبية أمس الأربعاء، أن المليارديرة الأميركية ماكنزي سكوت، ثالث أغنى امرأة في العالم والزوجة السابقة لأغنى رجل في العالم جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون تبرعت بمبلغ 4.2 مليارات دولار لبنوك الغذاء وصناديق الإغاثة ونحو 384 شركة ومنظمة خيرية في الولايات المتحدة لدعم أعمالها في مواجهة جائحة كورونا.
هذا التبرع هو ثاني هِبة ضخمة تعلنها سكوت هذا العام بعد تبرعها بمبلغ 1.7 مليار دولار لنحو 116 مؤسسة أميركية؛ بما فيها جامعات وكليات ومعاهد تقدم خدمات تعليمية لـ"الملونين"، أي أنها تبرعت بنحو بما يقرب من 6 مليارات دولار في أقل من عام، كما تعهدت بعد الإعلان عن انفصالها عن بيزوس العام الماضي بالتبرع بنصف ثروتها لجمعيات خيرية.
وسبق سكوت العديد من كبار الأثرياء حول العالم في التبرع بمليارات الدولارات، بيل غيتس رئيس شركة مايكروسوفت تبرع بأربعة مليارات في أكبر تبرع له منذ عام 2000 لمؤسسات خيرية.
ومنذ عام 1994 حتى الآن تبرع غيتس وزوجته ميليندا بنحو 40 مليار دولار، سواء بشكل نقدي أو على شكل أسهم لعدة منظمات خيرية.
وقدم جاك دورسي، مؤسس موقع تويتر، تبرعاً سخياً لمكافحة فيروس كورونا، حيث أعلن في إبريل/ نيسان الماضي أنه سيتبرع بمليار دولار، أي نحو ربع ثورته البالغة 3.9 مليارات دولار.
وفي 2018 قرر جيف بيزوس، رئيس أمازون، التبرع بملياري دولار لصندوق خيري أسسه بهدف مساعدة المشردين وإنشاء شبكة جديدة من المدارس.
وفي يوليو/ تموز الماضي تبرع وارن بافيت أشهر مستثمر أميركي في بورصة نيويورك بما يقرب من 3 مليارات دولار من أسهم شركته "بيركشاير هاثواي" إلى الجمعيات الخيرية.
هناك نماذج كثيرة على تبرعات ضخمة من أثرياء أجانب بمليارات الدولارات ذهبت لمكافحة الفقر والجوع والتشرد والأمية والأوبئة حول العالم خاصة في أفريقيا، فهل يفعلها اثرياء العرب بدلا من كنز الأموال.