لا أعرف عن أي مكاسب اقتصادية يتحدث عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني العائد لمنصبه باتفاق مع انقلاب العسكر لا يزال رجل الشارع يرفضه، وما المكاسب التي حققها الرجل حتى يخرج علينا مساء أمس، الاثنين، بتصريحات يقول فيها إنّه عاد ليحافظ على تلك المكاسب.
حمدوك أذاق السودانيين الأمرّين وتسبب في تجويعهم، وكان قاسياً على الفقراء والعاطلين والأسواق، وأطاحت قراراته الطبقة الوسطى، ودحرجت ملايين السودانيين نحو الفقر المدقع، وأسقطت آخرين في وحل الفقر والعوز والحاجة والذل والعتمة، وربما التسول والسرقة.
وبسبب سياساته الاقتصادية القاسية قفزت معدلات التضخم لتكون الأعلى في العالم وتتجاوز 400% شهرياً، وتختفي معها وعود بتحسين الدخول وخلق فرص عمل وتحسين مناخ الاستثمار.
حمدوك أذاق السودانيين الأمرّين وجوعهم، وكان قاسياً على الفقراء والعاطلين، وأطاحت قراراته الطبقة الوسطى، ودحرجت الملايين نحو الفقر المدقع
عوّم الجنيه السوداني مقابل الدولار من دون توفير أي نوع من الحماية للعملة المحلية، وهو ما ضيّع مدخرات المواطنين، وأحدث دوياً في الأسواق لم يستطع المواطن العادي تحمّل تبعاته حتى اللحظة.
ألغى الدعم الحكومي عن سلع رئيسية منها الوقود، ورفع أسعار غاز الطهي والبنزين والسولار، وقود الفقراء والمزارعين، إلى معدلات قياسية.
فشل في توفير الخبز والدقيق والقمح والدواء والمياه النظيفة للمواطن، واستمرت الطوابير أمام المخابز ومحطات الوقود وصرافات البنوك بعدما أخفق في احتواء أزمة السيولة النقدية.
حمدوك نفذ كلّ مطالب وشروط وإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، وغيرهما من الدائنين. كان يخطط لخفض الرواتب والاستغناء عن جزء من موظفي الدولة تنفيذا لتعليمات الصندوق.
فشل في إخضاع الشركات التابعة للجيش لرقابة الدولة وإضافة إيراداتها للخزانة العامة، فشل أيضا في مواجهة الفساد المالي وتهريب ثروات البلاد، ومنها الذهب والمعادن إلى الخارج.
كما فشل في تحسين مستوى الخدمات الرئيسية المقدمة للمواطن وفي مقدمتها الصحة والتعليم ومياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي والطرق والجسور وغيرها من مشروعات البنى التحتية.
فشل في تحقيق مطالب ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 التي أطاحت عمر البشير في إبريل/نيسان 2019، وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثورة، وتحسين الوضع المعيشي للمواطن، وتنشيط الاقتصاد وإصلاح الوضع الاقتصادي وجذب الاستثمارات الخارجية.
حمدوك راهن على رضا إسرائيل وصندوق النقد وفرنسا والولايات المتحدة وأموال الدائنين أكثر من رهانه على المواطن
حمدوك راهن على رضا إسرائيل وصندوق النقد الدولي وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية والدائنين أكثر من رهانه على المواطن، وكسب ثقته عبر تحسين مستوى معيشته ودخله والخدمات الأساسية المقدمة له.
راهن على اغتراف مليارات الدولارات من المؤسسات المالية الدولية وبأي تكلفة دون أن تكون للسودان مصادر واضحة للسداد.
كان لسياساته الاقتصادية والمالية ثمن باهظ على المواطن، كما فتحت حكومته الباب على مصراعيه للتطبيع مع دولة الاحتلال، وخلال فترة حكمه تدفق القمح الإسرائيلي، ومعه ضباط رفيعو المستوى من الموساد، إلى الخرطوم ليعقدوا لقاءات وصفقات مع العسكر.
ببساطة، أدخل حمدوك، رئيس الوزراء العائد لمنصبه باتفاق مع العسكر، البلاد والعباد في دوامة من التقشف والإجراءات المعيشية العنيفة والفقر والبطالة وتدهور الخدمات والبنية التحتية.
هذا ما فعله حمدوك في المواطن والاقتصاد السوداني، فعن أي مكاسب اقتصادية يتحدث ويقول إنّ الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين الماضيين كان من بين الأسباب التي دفعته للعودة إلى منصبه بعد نحو شهر على عزله عقب انقلاب القوات المسلحة على حكومته في 25 من أكتوبر/تشرين الأول.
نعم حمدوك نجح في إقناع العديد من دول العالم بإسقاط جزء من ديونها المستحقة على السودان، كما أقنع دولاً أخرى بتقديم مساعدات نقدية وعينية للبلاد ورفع العقوبات عنها وإزالة اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
السودانيون تضامنوا مع حمدوك عندما عزله الجيش ليس بسبب المكاسب المزعومة التي تحدث عنها، لكن بسبب الانقلاب على الحكومة المدنية
لكن في المقابل ارتفع منسوب الفقر والبطالة والغلاء خلال فترة حكمه بمعدلات قياسية لم تصل إليها حتى في أسوأ فترات عمر البشير.
السودانيون تضامنوا مع حمدوك عندما عزله الجيش وانقلب عليه ليس بسبب المكاسب الاقتصادية المزعومة التي يتحدث عنها، لكن بسبب انقلاب قاده العسكر على الحكومة المدنية والمسار الديمقراطي، وضرب قادة الانقلاب بمطالب ثورة ديسمبر 2018 وإرادة الناخبين وفي مقدمتها إقصاء العسكر عن الحكم.