يدرك الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه أن التضخم العالي داخل الولايات المتحدة والذي تجاوز 8.6% في شهر مايو/أيار الماضي، وهو أعلى معدل منذ 41 سنة، يمثل أكبر تهديد سياسي للديمقراطيين، وخاصة في أول اختبار مقبل، وهو انتخابات الكونغرس المقرر اجراؤها بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ويدرك قادة البيت الأبيض أن الارتفاع الحاد لأسعار النفط في الأسواق الدولية، أحد أبرز الأسباب التي تغذي التضخم الذي تحول إلى خطر جامح وظاهرة مقلقة للاقتصادات الكبرى، وفي المقدمة الاقتصاد الأميركي، خاصة بعد أن تخطى متوسط سعر البنزين في الولايات المتحدة مستوى 5 دولارات للغالون للمرة الأولى على الإطلاق.
وهو ما جعل المواطن الأميركي يئنّ ويغضب، وخاصة مع قفزات أسعار الأغذية والوقود وتآكل قدرته الشرائية بشكل متواصل، وأنه إذا ما واصلت أسعار البنزين قفزاتها في الأسواق الأميركية، فإن صوت الناخب سيذهب إلى الحزب الجمهوري، وهو ما يقلق بايدن وإدارته.
وربما قلق بايدن من قفزات أسعار الوقود هو الذي دفعه يوم الأربعاء، إلى الخروج علناً منتقداً ومهاجماً شركات الوقود ويطابها بتوضيح سبب عدم ضخها مزيداً من البنزين في الأسواق، في الوقت الذي يواجه فيه ضغوطاً بسبب ارتفاع الأسعار.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا وتراجع مخاطر كورونا، ستواصل أسعار النفط ارتفاعها، وهذه الزيادة قد تتحول إلى قفزات قياسية إذا ما حظر التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا النفط الروسي كاملاً بنهاية العام الجاري وفق الخطة المعلنة، وهو ما يعني زيادة أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار ومازوت وغاز طبيعي وغيره.
وهذا لا يصبّ في مصلحة المواطن الأميركي ولا إدارة بايدن، ولا يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مواجهة موجة التضخم التي تعد الأعلى في الولايات المتحدة منذ 41 سنة رغم الزيادات الأخيرة والمتوقعة في سعر الفائدة.
والحل هنا يكمن في زيادة الإنتاج النفطي العالمي بحيث يزيد المعروض وتهدأ الأسعار، لكن كيف يحدث هذا وهناك إصرار غربي على حظر النفط الروسي وتضييق الخناق على منتجات الطاقة الروسية من غاز طبيعي وغيره؟
كذلك فإن رهان الولايات المتحدة على النفط الإيراني تراجع بشدة في ظل تعثر المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، كذا الحال بالنسبة إلى نفط فنزويلا، فقد تعثرت محاولات واشنطن دق إسفين بين موسكو ونظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وفشلت واشنطن في استقطاب كراكاس واستمالتها إلى جانبها في حرب أوكرانيا وإقناعها بزيادة ضخ النفط في الأسواق.
لذا، اتجهت أنظار إدارة بايدن صوب منطقة الخليج، حيث تعوم بلدانها على بحار من النفط والغاز المسال، ومن هنا تأتي أهمية زيادة بايدن للسعودية يومي 15 و16 يوليو/ تموز المقبل.
فأحد الأهداف الرئيسية غير المعلنة للزيارة، العمل على خفض سعر النفط عبر زيادة السعودية ودول الخليج إنتاجها وصادراتها النفطية، وتعويض أي نقص يحدث في حال حظر النفط الروسي، وهو ما يترتب عنه تراجع أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار.
وهذا البند غاية في الأهمية بالنسبة إلى المواطن الأميركي الذي بات يئنّ من قفزات أسعار الوقود التي وصلت إلى معدلات قياسية، ومن المتوقع أن تواصل قفزاتها مع استمرار الحرب، وإصرار الولايات المتحدة على حظر النفط الروسي دون وجود بدائل تغطي العجز المتوقع في الأسواق العالمية.
بالطبع، زيارة بايدن تأتي تحت عناوين عامة هي "تعزيز العلاقات الثنائية التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة بين الرياض وواشنطن، والرغبة المشتركة في تطويرها في المجالات كافة" كما جاء في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي صدر قبل أيام.
لكن الحقيقة هي أن بايدن يريد من السعودية أن تقود تحالف منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" نحو زيادة كبيرة في إنتاج النفط تعوّض النفط الروسي من جهة، وتخفض الأسعار في الأسواق من جهة.
وبالتالي يضرب بايدن بزيارته منطقة الخليج عصفورين: محاصرة نفط روسيا واقتصادها، وتجفيف منابع تمويل حرب أوكرانيا، ومكافحة التضخم وخفض أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة.
صحيح أن بايدن أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن أمن دولة الاحتلال القومي هو السبب الرئيسي لزيارته المقبلة للسعودية، لكن هذا لا ينفي وجود أبعاد اقتصادية أخرى للزيارة، على رأسها السعي الحثيث نحو خفض سعر البنزين داخل الولايات المتحدة.