عندما تنظر لمؤشرات الاقتصاد التركي الأخيرة تصل إلى نتيجة مفادها تحسن سعر الليرة مقبل الدولار، لكن ما يحدث على الأرض وداخل الأسواق هو العكس تماما، حيث تتراجع العملة التركية لتتجاوز أمس الخميس مستوى 6.24 مقابل الدولار، وتسجل أضعف سعر لها في ثمانية أشهر، أي منذ 24 سبتمبر 2018 عندما وصل السعر ساعتها على 6.7 لليرة للدولار.
على مستوى الأرقام والمؤشرات فقد واصلت تركيا جذب مزيد من التدفقات النقدية الأجنبية خاصة من قطاعي السياحة والصادرات، مع تراجع عجز الميزان التجاري، وهو ما خفف الضغط على حجم النقد الأجنبي المخصص لتمويل الواردات.
مثلا ارتفعت عائدات السياحة خلال الربع الأول من العام الجاري 2019، بنسبة 4.6%، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي 2018. وفي المقابل تراجع حجم إنفاق الأتراك في الخارج، بنسبة 1.1%.
وتتدفق الاستثمارات على قطاع العقارات التركي خاصة من قبل الباحثين عن الجنسية، وكذا من قبل الأفراد والمستثمرين الأوروبيين والروس والخليجيين بمن فيهم السعوديين الذين لا يزالون يتدفقون على تركيا رغم الأزمة السياسية التي أعقبت مقتل جمال خاشقجي.
وحافظت الصادرات التركية على حيويتها خلال الربع الأول من 2019، لتبلغ 44.56 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخ البلاد. وهناك بوادر تحسن في الإنتاج الصناعي والزراعي.
وارتفع مؤشر الثقة الاقتصادية 3.4 % خلال شهر إبريل/ نيسان مقارنة بشهر مارس/ آذار الماضي. وتراجع معدل التضخم خلال الربع الأول من 2019 من 17.53% إلى 16.30%، كما تراجع المعدل في إبريل من 19.71% إلى 19.50% على أساس سنوي.
وعزز صندوق الثروة السيادية في تركيا رأس مال خمسة بنوك مملوكة للدولة بمقدار3.7 مليارات دولار، وهو ما يعزز من قدرتها على الإقراض والتوسع في الأنشطة المصرفية، وبالتالي تقوية النمو الاقتصادي.
في تقديري فإن التراجع هنا لا يكمن في أسباب اقتصادية، بل لأسباب سياسية بحتة، فهناك علاقة أنقرة المتوترة مع واشنطن مع تصميم تركيا على استيراد صواريخ إس 400 الروسية، ورفض أنقرة الالتزام بالحظر الأميركي على النفط الإيراني، وتجدد التوتر حول ملف التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط ودخول واشنطن والاتحاد الأوروبي على الخط، وبقاء ملف خاشقجي مفتوحا، وهو الملف الذي يسعى ترامب لغلقة لصالح السعودية.
وهناك ملفات أخرى لم تغلق بعد منها مثلا قضية مصرف "خلق بانك" التركي ورفض الافراج عن مدير المصرف السابق هاكان أتيلا، المعتقل في أميركا، بقضية خرق العقوبات على إيران، وهناك رغبة واشنطن في أن تقطع أنقرة علاقاتها مع كل من روسيا وإيران وغيرها.
ومن الأسباب السياسية التي باتت تؤثر على سعر الليرة أيضا ما يتعلق بتداعيات قرار اللجنة العليا للانتخابات إعادة انتخابات رئيس بلدية إسطنبول وما يثيره هذا الأمر من حالة غموض في المشهد السياسي، وتأثر الليرة بالتوترات الجارية في الأسواق على خلفية زيادة حدة الحرب التجارية الأميركية الصينية.
ولا نتجاهل حديث تركيا المستمر عن المؤامرات الاقتصادية التي تحاك ضدها ووجود جهات خارجية تتلاعب بالليرة والاقتصاد التركي، وتصريحات أردوغان عما وصفه بالإرهاب الاقتصادي الذي يمارس ضد بلاده، وكلامه عن محاولات تدمير الاقتصاد في أغسطس/آب 2018، والتي تمت عبر ضغوط على أسعار الفائدة، والتلاعب بأسعار صرف العملة والتضخم.