أظن أن صانع القرار السعودي بات في مأزق، خاصة أنه كان يتحدث حتى وقت قريب عن ضرورة مراعاة الطبقات الفقيرة ومصالح الغالبية العظمى من المواطنين، وعن حساسية الاقتراب من ملفات شائكة مثل زيادة أسعار الوقود بكل أنواعه أو رفع تكلفة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.
وأظن أن صانع القرار يجب أن يتحرك سريعاً لعلاج الآثار الناجمة عن القرارات الفجائية والصادمة التي اتخذها مساء أمس وتتعلق برفع أسعار العديد من السلع الضرورية للمواطن، وأول الخطوات المطلوبة دعم السلع الرئيسية والاستهلاكية، والعمل على خفض إيجارات المساكن والنقل، وأن يركز في خطوات التقشف القادمة على الأثرياء لا الفقراء.
أمس اتجهت كل الأنظار نحو السعودية في انتظار الكشف عن حقيقة وضعها المالي سواء للعام القادم أو العام الجاري، ولا أبالغ إذا قلت إن معظم أسواق العالم كانت تترقب إعلان المملكة عن واحدة من أخطر موازناتها على الإطلاق؛ وهي ميزانية 2016 التي سجلت عجزاً قياسياً بقيمة 87 مليار دولار حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة.
كما سعت هذه الأسواق للتعرف على قيمة عجز موازنة العام الجاري الذي قدرته الحكومة السعودية بنحو 367 مليار ريال أي ما يعادل 97.9 مليار دولار، إضافة إلى محاولة المستثمرين والمؤسسات المالية العالمية التعرف على تأثيرات تهاوي أسعار النفط، المصدر الأساسي للموازنة، على إيرادات المملكة، وكذلك تأثيرات الإنفاق الضخم للسعودية في العام الأخير لتمويل حرب اليمن، ومواجهة خطر الإرهاب وتنظيم داعش وزيادة الإنفاق على الأمن والدفاع وغيرها على موازنة عام 2015.
أسباب اهتمام الدول والأسواق والمؤسسات المالية بالموازنة السعودية كثيرة، منها أن المملكة صاحبة أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وصاحبة أكبر مركز مالي، كما أنها تعد أكبر منتج للنفط في العالم، وهي أكبر مستقبل للعمالة في المنطقة، والدولة الأكبر بين دول المنطقة في التحويلات الخارجية واحتياطيات النقد الأجنبي والاستثمارات العربية في الخارج.
وبالتالي فإن أي مؤشرات في الموازنة السعودية تعطي دلالات للأسواق الخارجية حول اتجاهات الإنفاق الحكومي للمملكة، خاصة على مستوى الخدمات والنفقات العامة والمشروعات الكبرى، كما تعطي دلالة على كيفية تعامل المملكة مع أسواق النفط، إضافة إلى أن العجز في الموازنة قد يؤثر سلباً على المساعدات الخارجية للمملكة التي تستفيد منها دول وأنظمة عدة، وهذه عوامل تبرر سر اهتمام العديد من الدول والأسواق بموازنة المملكة.
ومع إعلان الحكومة السعودية أمس عن أرقام قياسية في عجز الموازنة العامة للدولة للعامين الحالي والجديد قد يقف صانع القرار في موقف حرج أمام هذه الأرقام.
صحيح أن صانع القرار يمتلك العديد من الأدوات للتعامل مع هذا العجز أسهلها السحب من احتياطيات المملكة في الخارج التي تزيد عن 600 مليار دولار، أو تسييل بعض الأصول والاستثمارات الخارجية كما حدث في العام الجاري حيث تم تسييل أصول تقدر بنحو 90 مليار دولار، أو تأجيل تنفيذ بعض المشروعات الكبرى، على أن يصاحب هذه الخطوات خفض الإنفاق العام والسعي لزيادة الإيرادات من مصادر أخرى غير النفط، وخصخصة مجموعة من القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
كل هذا معروف وسهل التطبيق، لكن أظن أن صانع القرار السعودي انتهى إلى أن هذه خطوات غير كافية للتعامل مع العجز القياسي في الموازنة الجديدة، ولذا أقدم على بدائل أخرى، منها زيادة أسعار البنزين والكيروسين والديزل والغاز وأنواع الوقود الأخرى، وكذا زيادة أسعار الكهرباء والمياه والضرائب على بعض أنواع السلع مثل التبغ والمشروبات الخفيفة.
لكن هل تتوقف الخطوات السعودية عند هذا الحد في ملف التعامل مع العجز القياسي في موازنة 2016؟ وهل يمكن أن تشهد السعودية زيادات أخرى في أسعار السلع والخدمات؟ وما تأثير القرارات السعودية الخاصة برفع الأسعار على المواطن العادي الذي تعود على أسعار رخيصة طوال سنوات طويلة؟
اقرأ أيضاً: السعودية ترفع أسعار البنزين والغاز لمواجهة عجز الموازنة